ففيه : أنّ وجوب المقدّمة ـ على القول به ـ إنّما هو من باب ثبوت التلازم عقلا بينه وبين وجوب ذيها ، فمع فرض بقاء وجوب ذيها على حاله لا يفرّق في المقدّمة بين المباحة والمحرّمة ، بل لا بدّ من انقلاب حكم المقدّمة الثابت لها بذيها إلى الوجوب ، فلا يبقى لها حينئذ حكم الإباحة أو الحرمة.
هذا إذا كانت المقدّمة منحصرة في المحرّمة.
وأما إذا لم تنحصر فالمقدّمة هو الكلّي القدر المشترك بين الجائزة والمحرمة وهو جائز قطعا ، إلاّ أنّ ذلك الكلّي إنّما يتّصف بالوجوب في ضمن فرده الجائز (١) ، فالنزاع في مقدّمة الواجب ليس في الجزئيات الخارجية حتى يكون خروج المحرّمة منها خروجا عن محلّ النزاع ، بل في كلّي المقدّمة ، وهو غير خارج.
نعم قد خرج بعض جزئياته عن الاتّصاف بالوجوب والانطباق على المأمور به ، فالاستثناء من الانطباق على المأمور به لا من محلّ النزاع.
هذا ما في جعله القيد المذكور احترازا عن المقدّمات المحرّمة.
ويتجه على جعله احترازا عن المقدّمات الغير المقدورة : أنّ تلك المقدّمات خارجة عن محلّ النزاع بمجرّد تحرير العنوان : بأنّ مقدّمة الواجب واجبة أو لا ، فإنّ ذلك التحرير صريح في كون النزاع في أفعال المكلّف الاختيارية له ، إذ الأمور الاضطرارية لا تصلح لاتّصافها بشيء من الأحكام الخمسة ، فالوجوب المتنازع فيه لا يمكن [ أن يكون ] له موضوع من المقدّمات الاضطرارية حتى يتوهّم دخولها ، فيستعان في إخراجها بما ذكر (٢).
هذا ، وبالجملة : فالنزاع في المقام في وجوب المقدّمة الوجودية للواجب
__________________
(١) وبعبارة أخرى : العقل لا يخيّر المكلّف في أفراد ذلك القدر المشترك مطلقا ، بل يختصّ تخييره في الأفراد المباحة. لمحرّره عفا الله عنه.
(٢) في الأصل : إلى ما ذكر.