المسألة الأصولية ـ أنّه إذا قام مثل ذلك الدليل يحرم (١) أخذ الأجرة أيضا بالأولوية القطعية في فعل نفس الواجب النفسيّ ، فحينئذ يحرم أخذ الأجرة على فعل المقدّمات ولو على القول بعدم وجوبها أيضا ، لما عرفت على الاحتمال الأوّل.
ثمّ إنّ مجمل الكلام فيما حقّقنا من تخصيص حرمة أخذ الأجرة ببعض الواجبات : أنّه لا شبهة في أنّ المانع من أخذ الأجرة على فعل وحرمته (٢) ليس وجوبه ، وإلاّ لما جاز أخذها على الواجبات الصناعية الكفائية ، والتالي باطل بالضرورة ، بل المانع إنّما هو قيام الدليل على لزوم وقوع العمل مجّانا كما في بعض الواجبات التوصّلية الكفائية كأحكام الأموات من التكفين والدفن ، فإنّه قد استفيد من الأخبار مملوكية تلك الأعمال للغير مجّانا ، مثل ما ورد : من أنّ المؤمن قد ملك عن أخيه المؤمن أمورا منها الدفن وما يتعلّق به (٣) ، فيكون أخذ الأجرة عليه من الأكل بالباطل لكون العمل مملوكا للغير ، وكما في جميع الواجبات التعبّدية ، فإنّ غرض الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد تعلّق بوقوعها خالصة لوجهه الكريم ، فكأنّها مملوكة له ـ سبحانه وتعالى ـ فليس للعبد تمليكها للغير وأخذ العوض منه عليها ، لكونه أيضا أكلا بالباطل.
والحاصل : أنّه لا يمنع مجرّد وجوب فعل على الإنسان من أخذ الأجرة عليه ، فلا ملازمة بينهما ، بل النسبة بينهما هي العموم من وجه ، لافتراق الوجوب عن حرمة أخذ الأجرة في القضاء بين المسلمين ، وكذا السعي إلى الميقات لمن
__________________
(١) في الأصل : فيحرم ..
(٢) هذه الكلمة يتمّ المعنى بدونها ، ولا تستقيم العبارة إلاّ بحذفها.
(٣) لم نعثر على رواية بهذا التعبير ، وإنّما عثرنا على التعبير بالحقّ ، كما في أصول الكافي ٢ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ باب حق المؤمن على أخيه ، وأمالي الشيخ الطوسي ١ : ٩٥ ، وثواب الأعمال : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وغيرها.