وزاد وجها آخر ، وهو أن ينبعث من الدين داعية التعجب من إنكار المنكر والخطاء في الدين ، فيقول : ما أعجب ما رأيت من فلان ، فانه قد يكون صادقا ويكون تعجبه من المنكر ، ولكن كان حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه فسهل عليه الشيطان ذكر اسمه في ذكر تعجبه ، فصار به مغتابا من حيث لايدري ، واثم ، ومن ذلك قول الرجل تعجبت من فلان كيف يحب جاريته وهي قبيحة ، وكيف يجلس بين يدي فلان وهو جاهل.
ثم قال الشهيد رحمهالله : إذا عرفت هذه الوجوه التي هي أسباب الغيبة فاعلم أن الطريق في علاج كف اللسان عن الغيبة يقع على وجهين أحدهما على الجملة ، والاخر على التفصيل : أما ما على الجملة ، فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله تعالى بغيبته كما قد سمعته في الاخبار المتقدمة ، وأن يعلم أنه يحبط حسناته فانها تنقل في القيامة حسناته إلى من اغتابه بدلا عما أخذ من عرضه ، فان لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئاته ، وهو مع ذلك متعرض لمقت الله تعالى ومشبه عنده بآكل الميتة ، وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد.
وينفعه أيضا أن يتدبر في نفسه ، فان وجد فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه وذكر قوله صلىاللهعليهوآله : طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، ومهما وجد عيبا [فينبغي أن يستحيي أن يترك نفسه ويذم غيره بل ينبغي أن يعلم أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه إن كان ذلك عيبا] (١) يتعلق بفعله واختياره وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق ، فان من ذم صنعة فقد ذم الصانع وإن لم يجد عيبا في نفسه فليشكر الله ، فلا يلوثن نفسه بأعظم العيوب ، بل لو أنصف من نفسه لعلم أن ظنه بنفسه انه برئ من كل عيب جهل بنفسه ، وهو من أعظم العيوب. وينفعه أن يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له ، فاذا كان لايرضى لنفسه أن يغتاب ، فينبغي أن لا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.
وأما التفصيلية فهو أن ينظر إلى السبب الباعث له على الغيبة ، ويعالجه
____________________
(١) ساقط عن الكمبانى.