فان علاج العلة بقطع سببها ، وقد عرفت الاسباب الباعثة أما الغضب فيعالجه بالتفكر فيما مضى من ذم الغضب ، وفيما تقدم من فضل كظم الغيظ ومثوباته وأما الموافقة فبأن تعلم أن الله تعالى يغضب عليك ، وإذا طلبت سخطه في رضا المخلوقين ، فكيف ترضى لنفسك أن توقر غيرك تحقر مولاك ، إلا أن يكون غضبك لله تعالى ، وذلك لايوجب أن تذكر المغضوب عليه بسوء ، بال ينبغي أن تغضب لله أيضا على رفقائك إذا ذكروه بالسوء ، فانهم عصوا ربك بأفحش الذنوب وهو الغيبة.
وأما تنزيه النفس بنسبة الجناية إلى الغير ، حيث يستغني عن ذكر الغير فتعالجه بأن تعرف بأن التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض لمقت الخلق ، وأنت بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى يقينا ، ولا تدري أنك تتخلص من سخط الناس أم لا؟ فتخلص نفسك في الدنيا بالتوهم ، وتهلك في الاخر ، وتخسر حسناتك في الحقيقة ، ويحصل ذم الله لك نقدا وتنتظر رفع ذم الخلق نسيئة ، وهذا غاية الجهل والخذلان ، وأما عذرك كقولك إن أكلت الحرام ففلان يأكل ، ونحو ذلك فهذا جهل لانك تعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به ، فان من خالف أمر الله لا يقتدى به كائنا من كان ، فما ذكرته غيبة وزيادة معصية أضفتها إلى ما اعتذرت عنه ، وسجلت مع الجمع بين المعصيتين على جهلك وغباوتك ، وأما قصدك المباهاة وتزكية النفس ، فينبغي أن تعلم أنك بما ذكرته أبطلت فضلك عندالله تعالى وأنت من اعتقاد الناس فضلك على خطر ، وربما نقص اعتقادهم فيك إذا عرفوك بثلب الناس ، فتكون قد بعت ما عند الخالق يقينا بما عند المخلوق وهما ، ولو حصل لك من الخلوق اعتقاد الفضل لكانوا لا يغنون عنك من الله شيئا.
وأما الغيبة للحسد فهو جمع بين عذابين لانك حسدته على نعمة الدنيا وكنت معذبا بالحسد ، فما قنعت بذلك حيت أضفت إليه عذاب الاخرة ، فكنت خاسرا في الدنيا ، فجعلت نفسك خاسرا في الاخرة لتجمع بين النكالين ، فقد قصدت محسودك فأصبت نفسك ، وأما الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند الناس باخزاء نفسك عندالله ، والملائكة والنبيين ، فلو تفكرت في حسرتك وحيائك