ثم قال : واعلم أن النميمة تطلق في الاكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه ، كأن يقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا ، وليست مخصوصة بالقول فيه بل يطلق على ما هو أعم من القول كما مر في الغيبة ، وحدها بالمعنى الاعم كشف ما يكره كشفه ، سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث وسواء كان الكشف بالقول أم بالكتابة أم الرمز أم الايماء ، وسواء كان المنقول من الاعمال أم من الاقوال ، وسواء كان ذلك عيبا ونقصانا على المنقول عنه أم لم يكن ، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه ، بل كل ما رآه الانسان من أحوال الناس فينبغي أن يسكت عنه الا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصيته ، كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود عليه فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره نميمة وإفشاء للسر ، فان كان ما ينم به نقصانا أو عيبا في المحكي عنه كان جمع بين الغيبة والنميمة.
والسبب الباعث على النميمة إما إرادة السوء بالمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكى له ، أو التفرج بالحديث ، أو الخوض في الفضول وكل من حملت إليه النميمة وقيل له إن فلانا قال فيك كذا وكذا ، وفعل فيك كذا وكذا ، وهو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالاة عدوك ، أو تقبيح حالك ، أو ما يجري مجراه ، فعليه ستة امور : الاول أن لا يصدقه لان النمام فاسق ، وهو مردود الشهادة ، قال الله تعالى : «إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة» (١) الثاني أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله ، قال الله تعالى : «وأمر بالمعروف وانه عن المنكر» (٢) الثالث أن يبغضه في الله تعالى فانه بغيض عند الله ويجب بغض من يبغضه الله ، الرابع أن لا تظن بأخيك السوء بمجرد قوله لقوله تعالى : «اجتبنوا كثيرا من الظن» (٣) بل تثبت حتى تتحقق الحال ، الخامس أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث للتحقيق لقوله تعالى : «ولا تجسسوا» (٤) السادس أن لا ترضى
____________________
(١) الحجرات : ٧. (٢) لقمان : ١٧.
(٣ و ٤) الحجرات : ١٣.