أن يكون من غيره ، ولا يقين معه بما يوجب الغسل ، وهو على يقين متقدم ببراءة ذمته منه ، فإنه على أصل الطهارة ، فلا يخرج عن ذلك اليقين إلا بيقين مثله ، وإذا وجده فيما لا يشتبه ، ولا يستعمله غيره ، فقد أيقن بأنّه منه ، فوجب الغسل إذ قد بينا أنّه لا يعتبر بمقارنة خروجه للشهوة.
فأمّا فرق ابن حي ، بين أن يصادفه حين انتباهه ، وبين أن يقوم ويمشي ، فلا وجه له ، من حيث كان إذا فارق الموضع ، يجوز أن يكون من غيره ، فإذا صادفه في الحال ، لم يكن إلا منه ، والتقسيم الذي ذكرناه أولى ، لأنه إذا جوّز فيما يصادفه ان يكون من غيره ، كتجويزه فيما يفارقه ، لم يجب عليه الغسل في الموضعين ، فلا معنى لاعتبار المشي ، بل المعتبر ما ذكرناه ، هذا آخر كلام المرتضى رحمهالله فهو واضح ، سديد في موضعه.
وذكر بعض أصحابنا في كتاب له ، وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) فقال : ومتى خرج من الإنسان ماء كثير لا يكون دافقا لم يجب عليه الغسل ، ما لم يعلم انّه مني ، وإن وجد من نفسه شهوة ، إلا أن يكون مريضا ، فإنّه يجب عليه حينئذ الغسل متى وجد من نفسه شهوة ، ولم يلتفت إلى كونه دافقا ، وغير دافق ، فإن أراد هذا القائل باستثنائه المريض ، انّه إذا خرج منه ماء كثير ولا يكون منيا ووجد من نفسه شهوة يجب عليه الغسل ، فهذا غير واضح ، إذ قد بيّنا انّ الجنابة لا تكون إلا بشيئين فحسب ، ولا يتعلّق على الإنسان أحكام المجنبين إلا من طريقين : إحديهما : خروج المني على كل حال ، سواء كان دافقا أو غير دافق ، بشهوة أو غير شهوة ، والأخرى : غيبوبة الحشفة في فرج آدمي ، لا ثالث لهما وإن استثناه من الدّفق ، فلا اعتبار بالشهوة ، ولا بالدفق ، بانفراد كلّ واحد منهما ، أو باجتماعهما ، من مريض جاء أو من صحيح ، إذا لم يكن المني موجودا ،
__________________
(١) النهاية : باب الجنابة.