أيضا بسائر الدماء بقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) (١) وهذه الآية تقتضي تحريم سائر الدماء المسفوح وغيره؟
قلنا : دم السمك مخصوص من الآية العامة بما قدّمناه من الدلائل ، وبعد فانّ الله تعالى لما قال حرّمت عليكم الميتة ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أحلت لنا ميتتان ، وقال تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) ثم اتفقوا على أنّ آية الإباحة مرتّبة على آية الحظر ، كأنّه تعالى قال : حرّمت عليكم الميتة ، إلا الجراد والسمك فوجب أن يكون حكم الدم كذلك ، فتكون آية الإباحة ، مرتبة على آية الحظر ، ويكون التقدير ، حرّمت عليكم الميتة والدم إلا دم السمك ، وما أشبهه مما ليس بمسفوح.
وأيضا فإنّ العام يبنى على الخاص والمطلق على المقيد ، مثاله إذا ورد حكم مطلق في موضع ، ثم ورد ذلك الحكم بعينه في موضع آخر مقيدا بصفة ، فانّ مطلقه يكون محمولا على مقيّده ، ويتبيّن بذلك التقييد مراد المخاطب بالمطلق ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين من تكلّم في أصول الفقه.
فأمّا مسألة الخلاف أن يثبت حكم في موضع مطلقا ، ثمّ يرد ما هو من جنس ذلك الحكم لا بعينه في موضع آخر مقيدا ، فهل يجب حمل المطلق هاهنا على ذلك المقيّد أم لا؟ والصحيح من الأقوال ، أنّ لكل منهما حكم نفسه ، لأنّهما حكمان متغايران ، وإن كان جنسهما واحدا ، ومثاله كفارة الظهار مطلقة ، وكفارة قتل الخطأ مقيدة ، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا ، إلا بدليل منفصل ، لأنّه يكون قياسا ، والقياس متروك عند أهل البيت عليهمالسلام ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام انّه قال : لا بأس بدم ما لم يذك (٢).
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب النجاسات ، ح ٢.