هو الأذان المنهي عنه ، ويسمّيه بعض أصحابنا الأذان الثالث ، لا يجوز يريد به إلا هذا ، وسمّاه ثالثا ، لانضمام الإقامة فكأنّها أذان آخر.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله : الخطبة يوم الجمعة تكون عند قيام الشمس نصف النهار ، فإذا زالت الشمس ، نزل فصلّى بالناس ، وحكي عن السيّد المرتضى أنّه قال : يجوز أن يصلّي عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصّة (١).
قال محمّد بن إدريس : ولم أجد للسيّد المرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه ، بل بخلافه ، وما قدّمته وشرحته أولا واخترته ، من أنّ الخطبة لا تجوز إلا بعد الزوال ، وكذلك الأذان لا يجوز إلا بعد دخول الوقت في سائر الصلوات ، على ما أسلفنا القول فيه في باب الأذان والإقامة ، هو مذهب المرتضى وفتواه واختياره في مصباحه ، وهو الصحيح ، لأنّه الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويعضده النظر والاعتبار ، ولأنّه عمل جميع الأعصار ، ولقوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٢) والنداء للصلاة ، هو الأذان لها ، فالأذان لا يجوز قبل دخول وقت الصلاة ، ولعل شيخنا أبا جعفر ، سمعه من المرتضى في الدرس ، وعرفه منه مشافهة ، دون المسطور ، وهذا هو العذر البيّن ، فانّ الشيخ ما يحكي بحمد الله تعالى إلا الحق اليقين ، فإنّه أجلّ قدرا ، وأكثر ديانة من أن يحكي عنه ما لم يسمعه ويحقّقه منه.
وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان ، في تفسير سورة الجمعة قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) : قال معناه إذا سمعتم أذان يوم الجمعة ، فامضوا إلى الصلاة ، وقال في قوله « وَذَرُوا الْبَيْعَ » معناه إذا دخل وقت الصلاة ، فاتركوا البيع والشراء ، قال الضحاك : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء ، وقال الحسن : كلّ بيع تفوت فيه الصلاة يوم
__________________
(١) قريب من هذه العبارة في النهاية كتاب الصلاة. باب الجمعة وأحكامها.
(٢) الجمعة : ٩.