ومن حجّ عن غيره ، قصد عن بعض الطريق ، كان عليه مما أخذه ، بمقدار ما بقي من الطريق ، اللهم إلا أن يضمن الحج فيما يستأنف ، ويتولاه بنفسه ، إن كانت السنة معيّنة ، وإن كانت الإجارة في الذمة ، فعلى ما ذكرناه.
والذي تقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته الاعتبار ، انّ المستأجر على الحج ، إذا صدّ ، أو مات قبل الإحرام ، لا يستحق شيئا ، من الأجرة ، لأنّه ما فعل الحج الذي استؤجر عليه ، ولا دخل فيه ، ولا فعل شيئا من أفعاله.
وإلى ما اخترناه ، يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (١) ودلّ على صحته ، إلا أنّه قوّى ما ذهب إليه الصيرفي ، والإصطخري ، صاحبا الشافعي ، من أنه (٢) يستحق من الأجرة بمقدار ما قطع من المسافة ، تعليلا منهما ، وتخريجا ، ولا حاجة بنا إلى ذلك ، مع قيام الأدلّة ، على أن المستناب لم يأت بما استنيب فيه ، ولا شيئا من أفعاله. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره ، وهو بمكة ، إلا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطواف بنفسه ، ولا يمكن حمله ، والطواف به ، ومعنى مبطون ، أي به بطن ، وهو الذرب ، وانطلاق الغائط ، وإن كان غائبا ، جاز أن يطاف عنه.
وإذا حج الإنسان عن غيره ، من أخ له ، أو أب ، أو ذي قرابة ، أو مؤمن ، فانّ ثواب ذلك يصل إلى من حج عنه ، من غير أن ينقص من ثوابه شيء.
وإذا حج عمّن يجب عليه الحج ، بعد موته ، تطوعا منه بذلك ، فإنه يسقط عن الميت بذلك ، فرض الحج ، على ما روى أصحابنا في الأخبار (٣).
ومن كان عنده وديعة ، ومات صاحبها ، وله ورثة ، وكان قد وجبت عليه حجة الإسلام ، واستقرت في ذمته ، ولم يحجّها ، جاز له أن يأخذ منها ، بمقدار ما يحج عنه من بلده ، ويرد الباقي ، لأنّ الورثة لا تستحق الميراث ، إلا بعد قضاء
__________________
(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٤٣
(٢) في ط وج : لأنّه.
(٣) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب وجوب الحج.