وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ... ، ولم يفهموا رضا النبيّ صلىاللهعليهوآله على حالهم كما يزعمون ، وإلّا لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّ صلىاللهعليهوآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّ صلىاللهعليهوآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومه صلىاللهعليهوآله ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟
ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّ صلىاللهعليهوآله لأبي بكر في حياته صلىاللهعليهوآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول الله صلىاللهعليهوآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأشار إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّى بالناس » (١) .
فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّ صلىاللهعليهوآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما
______________________
(١) صحيح البخاري ٢ / ٦٩ .