ولكي يتوصّل صلاح الدين إلى إحلال السلام ، وإنهاء حالة الحرب مع الصليبيين ، رضخ بصورة مذهلة وغريبة إلى كلّ الشروط التي اشترطوها عليه أثناء المفاوضات ، ومنها : التنازل للصليبيين عن الكثير من المدن التي كان صلاح الدين قد استردها منهم بالحرب ، حيفا ويافا وقيسارية ونصف اللد ، ونصف الرملة وعكّا وصور ، وسوى ذلك ، حتّى صارت لهم فلسطين إلّا القليل (١) .
إضافة إلى ما وراء ذلك من اعتراف بوجودهم وإقرار لاحتلالهم ، ورفع العنت والمعاناة عن رقابهم الموضوعة تحت سيوف المجاهدين ، وإعطائهم الفرصة الذهبية للراحة ، والاستعداد التام للانقضاض على القدس من جديد ، الأمر الذي حصل فعلاً بعد موت صلاح الدين .
ويقول الدكتور حسين مؤنس : « ثمّ دخلوا في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح الرملة ، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل ، يمتد من صور إلى يافا ، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس ـ التي انتقلت إلى طرابلس ـ إلى القوّة بعد أن كانت قد انتهت ، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتّى بيروت ، وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقّقها صلاح الدين ـ فيما عدا استعادته لبيت المقدس ـ قد ضاعت » (٢) .
متى يكون الجنوح للسلم ؟
إنّه لأمر غريب حقّاً وعجيب جدّاً بل ومريب أن يجنح إلى السلم قائد لجيش منتصر ، ثمّ إنّ هذا الذي جنح إليه صلاح الدين هل هو سلم أم استسلام ؟!
قال الله تعالى في محكم التنزيل : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٣) .
______________________
(١) الأعلاق الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة : ١٧٣ .
(٢) أطلس تاريخ العالم : ٢٦٩ .
(٣) الأنفال : ٦١ .