استرجاعاً إلّا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أُصيب منها » (١) .
فقد علم الله أنّ مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدّد ذكرها مع تقادم العهد ، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أوّلاً .
ولا ريب أنّ ذلك إنّما فعله الله كرامة للحسين ، ورفعاً لدرجته ومنزلته عند الله ، ومبلغاً له منازل الشهداء ، وإلحاقاً له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء .
ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدّهما ولأُمّهما وعمّهما ؛ فإنّهما ولدا في عزّ الإسلام ، وتربّيا في حجور المؤمنين ، فأتمّ الله نعمته عليهما بالشهادة ، أحدهما مسموماً ، والآخر مقتولاً ، لأنّ الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ، ما لا ينالها إلّا أهل البلاء .
كما قال النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا سئل : أيّ الناس أشدّ بلاء ؟ فقال : « الأنبياء ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإنّ كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفّف عنه ، ولا تزال البلاء بالمؤمن حتّى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة » (٢) ، وشَقِي بقتله من أَعَانَ عليه ، أو رَضِي به !
فالذي شَرَعه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصاب وإن عَظُمَت ، أن يقولوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
فأمّا اتخاذ المآتم في المصائب ، واتخاذ أوقاتها مآتم ، فليس من دين الإسلام ، وهو أمر لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا أحد من السابقين الأوّلين ، ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من عادة أهل البيت ، ولا غيرهم .
وقد شهد مقتل علي أهل بيته ، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته ، وقد مرّت على ذلك سنون كثيرة ، وهم متمسّكون بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لا
______________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٢١ .
(٢) نظم درر السمطين : ٢٢٧ .