الصفات الخبرية أشبه بالألغاز ، إذ لو كان امرارها على الله تعالى بنفس معانيها الحقيقية ، لوجب أن تكون الكيفية محفوظة حتّى يكون الاستعمال حقيقيّاً ، لأنّ الواضع إنّما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيّتها ، فاستعمالها في المعاني الحقيقية وإثبات معانيها على الله سبحانه بلا كيفية ، أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة ، ولكن بلا ذنب ولا مخلب ولا ناب ولا ... .
وباختصار : قولهم : إنّ لله يداً حقيقة لكن لا كالأيدي ، كلام يناقض ذيله صدره ، فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة ، وحذف الكيفية حذف لحقيقتها ولا يجتمعان .
أضف إلى ذلك أنّه ليس في النصوص من الكتاب والسنّة من هذه البلكفة ـ أي بلا كيف ـ عين ولا أثر ، وإنّما هو شيء اخترعته الأفكار للتذرّع به في مقام ردّ الخصوم على تهجّمهم عليهم بتهمة التجسيم ، ولذلك يقول العلّامة الزمخشري :
قد شبّهوهُ بخلقهِ فتخوَّ فُوا |
|
شَنْعَ الورى فتستّروا بالبلكفة (١) |
وأمّا معنى الآية : إن مشيئة العبد تتفرّع على مشيئة الله تعالى ، وإعمال سلطنته ، والاستثناء من النفي يفيد أنّ مشيئة العبد متوقّفة في وجودها على مشيته تعالى ، ومشيته تعالى لم تتعلّق بأفعال العباد ، وإنّما تتعلّق بمبادئها ، كالحياة والقدرة وما شاكلهما .
وبطبيعة الحال أنّ المشيئة للعبد إنّما تتصوّر في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة الله سبحانه ، وأمّا في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري فلا تتصوّر ، لأنّها لا يمكن أن توجد من دون وجود ما تتفرّع عليه ، والآية الكريمة إنّما تشير إلى هذا المعنى .
______________________
(١) الصوارم المهرقة : ١٤ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٣٨٥ .