وإن شئت قلت : إنّ الاصول الّتي يعوّل عليها في إثبات اللغات على قسمين :
أحدهما : الاصول المطلقة ، وهي الأمارات المتقدّم ذكرها مستوفاة.
وثانيهما : الاصول المعلّقة المبحوث عنها في المقام ، والمتداول عندهم في هذا الباب على ما يرشد إليه التتّبع في مطاوي عباراتهم وتضاعيف كلماتهم ، اصول كثيرة منها ما هو محلّ وفاق ، ومنها ما هو محلّ خلاف ، فمن جملة هذه الاصول « أصالة الاستعمال » بالمعنى الّذي يراه السيّد ومتابعوه ، بناء على كون النزاع المعروف معنويّا.
ومنها : « أصالة الحقيقة » بالمعنى الّذي يستعلم منه حال اللفظ ، لا ما هو بالمعنى الّذي يستعلم منه حال المتكلّم ، وهي قد تعتبر بالمعنى الأخصّ باعتبار اختصاصه بموارد متّحد المعنى المستعمل فيه ، وقد تعتبر بالمعنى الأعمّ فتعمّ المتّحد والمتعدّد معا.
وهي بالاعتبار الأوّل ما انعقد عليه الاتّفاق ظاهرا ، وبالاعتبار الثاني ما اعتمد عليه السيّد ومن تبعه في ترجيح الاشتراك لفظا.
ومنها : « أصالة المجاز » الّتي هي أيضا قد تعتبر بالمعنى الأخصّ فتختصّ بالمتعدّد ، وقد تعتبر بالمعنى الأعمّ فتعمّه والمتّحد معا ، فهي بالاعتبار الأوّل ما عليه الأكثر في ترجيح المجاز على الاشتراك.
وبالاعتبار الثاني ربّما عزى إلى ابن جنّي القائل بكون المجاز أكثر اللغة.
وبما بيّنّاه تندفع المنافاة المتوهّمة بين ما في كلام الأكثر من أصالة الحقيقة وأصالة المجاز والاعتماد عليهما ، فإنّ التنافي إنّما يحصل على تقدير إطلاق أحدهما أو كليهما ، بأن يؤخذ أحدهما بمعناه الأعمّ أو كلاهما بمعناهما الأعمّ وليس كذلك ، بل كلّ منهما إنّما يؤخذ به بمعناه الأخصّ.
وهناك اصول اخر « كأصالة الاشتراك » و « أصالة عدم الاشتراك » و « أصالة عدم تعدّد الوضع » غير أنّ الاولى مندرجة في أصالة الحقيقة بمعناها الأعمّ ، كما أنّ الثانية مرادفة لأصالة المجاز بمعناها الأخصّ ، فليس شيء منهما أصلا برأسه ممتازا عمّا ذكرناه.