نعم قد يدّعى حصول الوضع الجديد في بعض أفراد الماضي كصيغ العقود للإنشاء ، وهو ـ مع أنّه أخصّ من المدّعى ـ دعوى مردودة على مدّعيها ، حيث لا شاهد عليها بل الشاهد على خلافها ، لتبادر الخبر من صيغ العقود أيضا حيثما اطلقت ، وتبادر الإنشاء حيثما وردت في مقام عقد أو إيقاع إطلاقي لاستناده إلى قرينة المقام ، فإنّ التعرّض لمقام العقد أو الإيقاع بإيجاب أو قبول قرينة مقام تصلح مستندة للتبادر.
وأمّا فعل المضارع في الحال والاستقبال فالأقوال الثلاثة فيه معروفة ، غير أنّ الّذي يساعد عليه النظر بحكم التبادر وغيره كونه حقيقة في الحال خاصّة ، لأنّه المتبادر عند إطلاقه كما يشهد به المنصف ، وممّا يرشد إليه ، إنّه لا يستعمل في الاستقبال إلاّ مع القرينة وأدوات الاستقبال ، بخلاف استعماله في الحال فإنّه يرد مجرّدا في الغالب ، كما هو شأن اللفظ بالقياس إلى معنييه الحقيقي والمجازي.
وقد عزى القول به والذهاب إليه إلى جماعة من محقّقي النحاة ، منهم نجم الأئمّة الشيخ الرضي طاب ثراه ، فقال ـ في كلام محكيّ له ـ : لأنّه إذا خلا من القرائن لم يحمل إلاّ على الحال ، ولا يصرف إلى الاستقبال إلاّ لقرينة. وهذا شأن الحقيقة والمجاز ، وأيضا من المناسب أن يكون للحال صيغة خاصّة كما لأخويه. انتهى (١).
والمناقشة فيه : تأييدا للحقيقة في الاستقبال خاصّة ، بالقضيّة المشتهرة عن الحكماء من : أنّ الحال ليس بآن موجود ولا زمان محقّق يكون واسطة بين الماضي والاستقبال ، بل هو فصل وحدّ مشترك بينهما ، ولو كان زمانا لكان التنصيف تثليثا. تندفع : بعدم كون المراد بالحال هاهنا الحال الحكمي ، بل العرفي المفسّر تارة بالزمان الّذي أنت فيه ، واخرى بحال النطق المنطبق على الجزء الأخير من الماضي والجزء الأوّل من الاستقبال.
قال الشارح الرضي (٢) : ومن ثمّ يقال : إنّ « يصلّي » في قولك : « زيد يصلّي »
__________________
(١ و ٢) شرح الكافية ٢ : ٢٢٦.