ففي الأوّلين يحكم عليه بالمجاز إلحاقا بالغالب من صنفه ، وفي الأخير يحكم عليه بالاشتراك إلحاقا بالغالب من صنفه ، فإطلاق الحكم بالاشتراك ليس في محلّه إلاّ إذا ثبت كونه أكثر في أفراد نوع اللفظ ، لكنّه مع تطرّق المنع إليه لا يجدي نفعا في مقام الإلحاق ، حيث لا حكم لغلبة النوع مع قيام غلبة الصنف بخلافها.
وربّما يقرّر الغلبة المدّعاة ـ تأييدا لأصالة الاشتراك أو دليلا عليها ـ : بأنّ تعدّد المعنى في اللغة أكثر من اتّحاده ، كما يظهر بملاحظة حال الأسماء والأفعال والحروف ، ويشهد به تتبّع كتب اللغة العربيّة. ولا ريب أنّ المشتبه يلحق بالأعمّ الأكثر.
وهذا أضعف من سابقه إذ ليس الكلام في الاتّحاد والتعدّد ، ليرجع إلى غلبة التعدّد ، استعلاما لحكم ما يتردّد بينهما.
وقد عرفت أنّ التعدّد لا يلازم الاشتراك إلاّ أن يوجّه إلى تعدّد المعنى الموضوع له ، ففيه المنع حسبما تقدّم.
وأضعف منه أيضا ما حكى في تقرير الاستدلال على رجحان الاشتراك ، من : أنّ الألفاظ بأسرها من الأسماء والأفعال والحروف مشتركة ، إذ ما من لفظ إلاّ وهو مشترك بين معناه الّذي وضع بإزائه وبين نفس اللفظ ، وهو بهذا الاعتبار اسم وإن كان بالاعتبار الأوّل فعلا أو حرفا ، على ما ذكره النحاة في قولهم : « من » حرف جرّ و « ضرب » فعل ماض ، فإنّ معناه إنّ « من » و « ضرب » اسمان لهذين اللفظين ، وهما الفعل والحرف.
وفيه : إنّ « من » و « ضرب » ليسا اسمين لأنفسهما ، ولا للحرف والفعل ، بل الحرف والفعل في اصطلاح أهل العربيّة من قبيل أسماء الأجناس ، ومسمّاهما المفهومان الكلّيان الصادقان كلّ منهما على الكثرة الّتي منها « من » و « ضرب » كما أنّ الكلمة بالنسبة إلى الحرف والفعل ، واللفظ بالنسبة إلى الكلمة والكلام كذلك ، ولا يعقل في شيء منهما اشتراك بين المعنى الموضوع له ونفس اللفظ.
ولعلّ التوهّم نشأ عن الحمل في قضيّة قولهم : « من » حرف ، و « ضرب » فعل ،