لجواز كونه إنّما اختار المجاز في مواضع ثبوته لحكمة اخرى راجحة على مصلحة عدم الوقوع في الخطأ.
لقلنا : إذا جاز قيام نحو هذه الحكمة مرجّحة للمجاز ، لجاز قيامها في نحو المسألة المبحوث عنها ، ومعه بطل ترجيح الاشتراك بما ذكر من مصلحة عدم الوقوع في الخطأ.
لا يقال : الأصل في مصلحة عدم الوقوع في الخطأ الإعمال إلى أنّ يعلم بقيام مصلحة راجحة والأصل عدمها ، لأنّ الأصل في هذين الأصلين إنّ اريد به ما يتوقّف العلم به على أصالة الاشتراك لزم الدور ، لتوقّف معرفة كلّ من الأصلين على الآخر ، وإلاّ فدعوى الأصل المذكور غير مسموعة.
والمشترك أيضا يتوقّف على وضعين وقرينتين.
ومخالفة المجاز للظاهر لا توجب إلاّ حمل اللفظ في بعض الأحيان على ما ليس بمراد ، فيرجع ذلك أيضا إلى الوجه السابق وقد عرفت ما فيه.
ومنها : إنّ المجاز من حكمه أنّ يثبت كونه مجازا بضرورة وسبب ضروري من أهل اللغة ، فكلّما لم ينهض بمجازيّته الضرورة فليس بمجاز بل هو حقيقة.
وهذا الوجه مستفاد من السيّد في مواضع من كلامه ـ في مبحث ألفاظ العموم والخصوص ـ حيث قال : ألا ترى إنّه لا أحد خالط أهل اللغة إلاّ وهو يعلم من حالهم ضرورة إنّهم إنّما سمّوا « البليد » حمارا و « الشديد » أسدا على سبيل التشبيه المجاز ، فكان يجب أنّ يثبت مثل ذلك في إجراء لفظ العموم على الخصوص.
وقال في موضع آخر : وممّا يقال لهم كيف وجب في كلّ شيء تجوّز أهل اللغة به من الألفاظ ، واستعملوه في غير ما وضع له كالتشبيه الّذي ذكرناه في « حمار » و « بليد » وكالحذف في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ )(١) والزيادة في قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(٢) ونظائر ذلك وأمثاله وما تفرّع عليه وتشعّب ، أن يعلم أنّهم
__________________
(١) يوسف : ٨٢.
(٢) الشورى : ١١.