العمل بأصالة الحقيقة تستلزم حجّية أصالة الحقيقة ، غاية ما هنالك ، كون دلالة الآية على ما هو المقصد الأصلي بالالتزام لا بالمطابقة ، وهو كاف في تماميّة الدليل.
ويدلّ عليه أيضا : ما ورد في الخبر : من « أنّ الله سبحانه أجلّ من أن يخاطب قوما بخطاب ويريد منهم خلاف ما هو بلسانهم وما يفهمونه » فإنّ إرادة المعنى الحقيقي ، هو الّذي يفهم من الخطاب عند إطلاقه ، وكون المراد معناه المجازي احتمال ينفيه قوله عليهالسلام : « أجلّ ... إلى آخره » فيرجع مفاد الرواية إلى دوام مطابقة مراداته تعالى لظواهر خطاباته ، بل يدلّ على أنّ إرادة خلاف الظاهر مع قيام الظاهر لا تلائم شأن الحكيم وحكمته ، وبذلك يثبت عموم المدّعى.
لا يقال : إنّ الفهم ظاهر في الإدراك بالمعنى العامّ للتصوّر ، فالرواية إنّما تدلّ على نفي إرادة ما لا يدخل في إدراك السامع وذهنه أصلا ، وكون المعنى المجازي ممّا لا يدخل في الإدراك أصلا ممنوع ، بل خلاف ما يدرك بالوجدان كما يرشد إليه فرض مجرى أصالة الحقيقة فيما يتردّد بين حقيقته ومجازه ، لأنّ المراد من فهم المعنى ما يتمّ به مقام التخاطب ، ولا يكون إلاّ الفهم التصديقي ، على معنى التصديق بالمعنى على أنّه مراد من الخطاب ولو بالنوع ، المستند إلى الظهور النوعي.
ولا ريب أنّ الفهم بهذا المعنى في الخطاب المجرّد عن القرينة ـ ولو بحكم الأصل ـ مقصور على الحقيقة ، فيكون المجاز خلاف ما يفهم من الخطاب ، وقد نفت الرواية بنفي إرادته ، والظاهر أنّها باعتبار السند متلقّاة عند العلماء بالقبول.
واستدلّ أيضا : بأنّه لو لم يجب الحمل على الحقيقة لوجب التوقّف أو الحمل على المجاز ، وكلاهما باطلان.
أمّا الأوّل : فلأنّ وجوب التوقّف لا يكون إلاّ لإجمال اللفظ وتردّد الذهن في تعيين المراد منه ، والحكم بكون الألفاظ بأسرها مجملة متردّدة بين حقائقها ومجازاتها أبدا ممّا يكذّبه الوجدان ، وكذا الاتّفاق على وجود اللفظ المحكم الدلالة وعدم الانحصار في المجمل.