وكيف كان فالمعروف بين الاصوليّين ترجيح التخصيص ، وظاهرهم الإطباق عليه حيث لم نقف على مصرّح بالخلاف ولا على نقل تصريح بخلافه ، وهو كذلك لشيوع التخصيص وغلبة وقوعه في الخارج كما اعتمد عليه جماعة ، فإنّه في الشيوع وغلبة الوقوع بمثابة قيل فيه : « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ منه ».
ولا ريب إنّ ملاحظة ذلك ممّا يوجب وهنا في ظهور العامّ في إرادة العموم ، فيكون الحقيقة أظهر في إرادة معناها الحقيقي منه في إرادة العموم ، وظهورها أقوى الظهورين ، وقضيّة ذلك تطرّق التصرّف المتردّد بينهما إلى العامّ بالتخصيص.
وإلى ذلك يرجع مؤدّى الاستدلال أيضا بما في كلام غير واحد ، من أنّ العامّ عند انتفاء قرينة التخصيص يحمل على الجميع فيدخل فيه المراد أيضا ، بخلاف المجاز الّذي يحمل معه اللفظ عند انتفاء القرينة على حقيقته ، وقد لا تكون مرادة فيفوت الغرض بالمرّة فيكون التخصيص أرجح ، لعدم استلزامه فوات الغرض ، وإن استلزم دخول غيره معه كما اعتمد عليه العلاّمة (١) وجماعة.
ومحصّله : إنّه عند دوران الأمر بين حالتين إحداهما يتضمّن فوات مراد المتكلّم بالمرّة عند الغفلة عن القرينة ، والاخرى لا يتضمّن ذلك كانت الثانية أوفق بغرض المتكلّم وأقرب بمقام الإفادة والاستفادة ، وذلك يوجب أظهريّة الحقيقة في إرادة معناها الحقيقي.
ثمّ إنّ المجاز المقابل للتخصيص قد يعرض العامّ كما في مثال المشركين ، وقد يعرض اللفظ الواقع في الكلام المشتمل على العامّ كما في بواقي الأمثلة ، وقد يعرض اللفظ الواقع في كلام آخر غير ما اشتمل على العامّ كما في الخبرين المتعارضين ، إذا كان تعارضهما من حيث الدلالة باعتبار دوران الأمر بين المجاز في أحدهما والتخصيص في الآخر ، كما في الخبر المستفيض من قوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢) الدالّ بعمومه على اشتراط صلاة الجنازة بالطهارة على
__________________
(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول : الورقة ٢٧ ( مخطوط ).
(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء باب ١ ح ١.