في استعمالات أهل اللسان ، أصليّة كانت أو ثابتة من قديم الأيّام أو قبل الشرع ، أو قبل صدور الخطاب أو متجدّدة بعد الخطاب أو بعد الشرع ، وموضوع المسألة من ذلك ما كان من المتجدّدة وشكّ في بدو زمان تجدّده ، هل تجدّد قبل الشرع أو قبل صدور الخطاب أو بعدهما.
وربّما يشكل الحال في فرض التعارض بينه وبين اللغة بالمعنى الثاني ، باعتبار اتّحاد جهة الشكّ فيهما ، فإنّ الجهة المقتضية للشكّ فيها أيضا هي أنّ المعنى اللغوي المذكور في كتب اللغة هل هو من المعاني الأصليّة أو من المتجدّدة ، تجدّد قبل الشرع أو قبل صدور الخطاب أو بعدهما.
ويدفعه : بعد منع اتّحاد جهة الشكّ فيهما مطلقا ، لقيام احتمال كون المعنى من المعاني الأصليّة في اللغة دون العرف ، إنّ مرجع التعارض بينهما إلى تعارض العرفين ، العرف القريب من زمان الشارع والبعيد منه ، لكون ما في كتب اللغة من العرف القريب ، فإنّها إنّما دوّنت بعد زمن الشارع في عصر الصادقين عليهماالسلام إلى عهد العسكري سلام الله عليه.
والسّر في التعارض إنّه لا يدرى أنّ حقيقة زمان الشارع هل هو المعنى اللغوي أو العرفي المتأخّر.
ومن هنا ربّما يمكن فرض وقوع التعارض بين العرف واللغة بالمعنى الأوّل واللغة بالمعنى الثاني ، في لفظ ثبت له معنى في صدر اللغة ومعنى آخر في كتب اللغة ومعنى ثالث في العرف ، على وجه دار حقيقة زمان الشارع بين هذه الثلاث.
ومن الأعاظم (١) من جعل العرف في محلّ النزاع أعمّ من قسميه العامّ والخاصّ ، ولعلّ مراده بالعرف الخاصّ المعارض للّغة طائفة خاصّة من أهل اللسان غير أرباب الفنون والصناعات في مصطلحاتهم المتجدّدة بعد الشرع ، كأن
__________________
(١) إشارات الاصول : ٣٧ ( الطبعة الحجريّة ) حيث قال : « ويمكن دفعه : بأنّ المراد بالعرفيّة هنا غير ما ذكروه ثمّة وهي ما يستفاد منه المعنى في العرف مطلقا وإن كان المعنى أصليّا فهي أعمّ من اللغويّة من وجه ... ».