وإن اريد بها إثبات عدم النقل المقيّد ، وهو المغيّي إلى غاية العلم بحدوثه وهو ما بعد زمان الشرع.
ففيه : إنّه بهذا المعنى لا يجري في اللغة بالمعنى الثاني ، لأنّ كون اللفظ للمعنى اللغوي المذكور في كتب اللغة في صدر اللغة غير ثابت ، حتّى يحكم به من جهة الأصل إلى ما بعد زمان الشارع الّذي هو زمان حصول اليقين بحدوث النقل ، وتخصيص محلّ البحث باللغة بالمعنى الأوّل بعيد ، إلاّ أن يوجّه الأصل المذكور بأنّ المقصود من التمسّك به نفي حدوث صفة النقل في هذا اللفظ مع قطع النظر عن كونه في صدر اللغة لهذا المعنى وعدمه.
بتقريب : أنّ اللفظ كان له في صدر اللغة معنى لا محالة ، وإنّه ممّا لم يعرضه النقل في صدر اللغة جزما ، وإنّ كونه للمعنى العرفي إنّما هو من جهة النقل لا محالة ، وهذا النقل الحادث فيه جزما يشكّ في بدو زمان حدوثه ، فيحكم من جهة الأصل بعدم حدوثه ـ المتيقّن في صدر اللغة ـ حتّى ينتهي إلى زمان العلم بحدوثه ، وهو ما بعد زمان أهل اللغة المدوّنين لكتبها.
وقضيّة ذلك كون حقيقة اللفظ من صدر اللغة إلى زمان الشارع وما بعده إلى زمان أهل اللغة هو هذا المعنى المودّع في كتبهم ، وإنّما نقل عنه بعد زمانهم إلى المعنى العرفي ، فالأصل المذكور بعد هذا التوجيه يتساوى نسبة جريانه إلى اللغة بالمعنيين ، ويعضده بالقياس إليها بالمعنى الثاني أصالة عدم تعدّد النقل ، الّذي كان يلزم على تقدير تقديم العرف المقتضي لكون حقيقة زمان الشارع هو المعنى العرفي ، لأنّه يستلزم حينئذ نقل اللفظ تارة بعد زمان الشارع عن هذا المعنى إلى ما كان حقيقة فيه في زمان أئمّة اللغة.
واخرى بعد زمانهم إلى المعنى العرفي الّذي كان حقيقة فيه في زمان الشارع ، والمتيقّن حدوثه إنّما هو نقل واحد والزائد مشكوك فيه ، فيدفع بالأصل.
وهذا أيضا كأصالة عدم النقل بالمعنى المتقدّم ممّا يرجّح تقديم اللغة بالمعنى الثاني ، كما أنّ أصالة عدم النقل بانفرادها ترجّح تقديم اللغة بالمعنى الأوّل.