إلاّ أن يقال : إنّ المبحوث عنه هو العمل بالمدوّن لا نفس التدوين ، والعلم بحدوث الثاني في عصر الأئمّة لا يجدي نفعا في العلم بحدوث الأوّل فيه ، بل احتمال تأخّره كاف.
وأمّا الثالثة : فيصعب دفعها ، بل الظاهر ورودها لعدم ثبوت الإجماع على إحدى الجهات المذكورة ، ولا سيّما ما هو محلّ البحث منها ، وهو العمل بقول اللغوي الغير المفيد للعلم تعبّدا ، أو من باب الظنّ الخاصّ.
هذا ولكنّ التحقيق في دفع الاحتجاج به منع أصل الإجماع ، فإنّ عمل العلماء بجميع أصنافهم بقول اللغويّين وإن كان ثابتا في الجملة ، لكنّه لا يجدي في ثبوت الإجماع على العمل به فيما هو محلّ النزاع ، لأنّ المراد من عملهم به إمّا أن يكون هو العمل في أمر المحاورة ومقام الإفادة والاستفادة ، أو العمل به في الأحكام الشرعيّة والتكاليف الإلهيّة الّتي يعاقب فيها على العمل بغير العلم ، وهو على كلا التقديرين محلّ منع.
أمّا على الأوّل : فلأنّ من العلماء من ليس من أهل لسان العرب ، فهو ليس من أهل المحاورة باللغة العربيّة ليتصوّر في حقّه المراجعة إلى كتب اللغة ، لينتفع بها في أمر المحاورة ومقام الإفادة والاستفادة ، ومن كان من أهل هذا اللسان فحاله بالنسبة إلى المحاورة ومقام الإفادة والاستفادة كحال عوام العرب في عدم الاحتياج إلى تلك الكتب في القدر الّذي يتمّ به المحاورة.
وأمّا على الثاني : فلأنّ الّذي يساعد عليه النظر ، أنّ موارد عمل العلماء بقول اللغويّين في غير أمر المحاورة مختلفة.
منها : ما يعملون به في موضع تعاضد البعض ببعض من جهة الاتّفاق ، أو التعدّد الّذي يحصل من جهته العلم بالصدق.
ومنها : ما يعملون به لاعتضاده بالقرائن المفيدة للعلم ، من مطابقة العرف أو مساعدة الأمارات المعمولة لتشخيص الموضوعات.
ومنها : ما يعملون به في موضع يتسامح فيه ، ولا يطالب فيه العلم ، ولا يعاقب