ويمكن دفع الاولى : فأوّلا ، بأنّ الإجماع قد يكون كاشفا عن حقّيّة مورده ، وإن لم يكن من الامور الشرعيّة ، إذا انضمّ إليه قضاء العادة بامتناع تواطئهم ـ مع كثرتهم وكونهم من أهل النظر واختلاف مشاربهم ـ على الخطأ ، نظير ما هو الحال في الخبر المتواتر المفيد للعلم بالصدق بضميمة العادة.
غاية الأمر ، كون المراد به هنا المعنى اللغوي وهو الاتّفاق ، دون المصطلح عليه الاصولي ، ولا غائلة فيه بعد ملاحظة عدم ابتناء الاستدلال على اعتبار المعنى المصطلح عليه.
وثانيا : بمنع عدم صلوحه للكشف عن رأي المعصوم ، فإنّه إنّما يتمّ إذا اعتبر الإجماع بطريقة القدماء أو الشيخ ، إذ دخول المعصوم مع المجمعين في العمل بقول اللغويّين غير معقول ، كما أنّ الإجماع بطريقة الشيخ في مورد لا يجري فيه دليل اللطف غير معقول.
أمّا على طريقة الحدس عن الرضاء فلا مانع عن كونه كاشفا ، ولا ينافيه عدم كون بيان الامور اللغويّة من وظيفة المعصوم ، إذ ليس المراد به أنّ المعصوم ليس له هذا البيان ، بل معناه أنّه ليس عليه على وجه ينافي عدمه عصمته ومنصبه.
وأمّا على التقدير أنّه عليهالسلام بيّن شيئا من الامور اللغويّة ، أو غير الشرعيّات فلا ريب في مطابقته الواقع.
وثالثا : بمنع خروج المقام من الامور الشرعيّة ، ولو باعتبار رجوعه إلى جواز العمل به فيما يرجع إلى خطابات الشارع ، بل هو حكم شرعي حينئذ يكشف عنه وعن كونه مأخوذا عن المعصوم الإجماع العملي.
ودفع الثانية : بمنع تأخّر الحدوث ، فإنّ بناء تدوين اللغة على ما روي ، وادّعي كونه متواترا كما في كلام بعض الأجلّة (١) إنّما حصل في المائة الثانية من الهجرة في عهد الصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام ، وقد شاع غاية الشيوع في المائة الثالثة.
__________________
(١) هو السيّد مهدي بحر العلوم ـ في شرحه على الوافية ـ.