أفعال العباد إليهم على الاستقلال ، بل هو تفويض صحيح ورد به أخبار أهل العصمة ، وقد عقد الشيخان الجليلان أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّي ، وأبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ، لذلك بابا في جامعيهما البصائر (١) والكافي (٢) وأوردا فيهما كثيرا من الروايات المعتبرة الّتي هي نصّ في المطلوب.
ولا يخفى ضعف دعوى كون المراد من « الشارع » هو النبيّ ، وأضعف منها الوجوه المذكورة في توجيه إطلاقه عليه.
أمّا الأوّل : فلأنّه إن اريد بما ذكر إرادة النبيّ على أنّه المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء والاصوليّين.
فيدفعه : إنّ الإطلاقات الواردة في الكتب الفقهيّة كما عرفت في خلافه ، وإن اريد به إنّه علم بشهادة القرائن كون المراد به في خصوص المسألة هو النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ففيه : إنّه لم نقف على قرينة تشهد به إلاّ ما يوهمه ما في العبائر من إضافة الزمان إلى الشارع في نحو قولهم : « إنّ الألفاظ نقلت إلى المعاني الشرعيّة في زمان الشارع أو بعد زمان الشارع ».
وفيه : إنّ هذا التعبير ونظائره إنّما هو للتنبيه على ما هو المعتبر عندهم ، من كون الوضع المتنازع فيه هو الوضع الحاصل في زمان ورود الشرع لا ما بعده ، فيراد بزمان الشارع زمان ظهور شارعيّة الشارع.
ومن جميع ما ذكر ظهر وجه ضعف دعوى كونه حقيقة عرفيّة في النبيّ صلىاللهعليهوآله إن اريد به عرف الفقهاء والاصوليّين ، لمساعدة إطلاقاتهم كما عرفت على خلافه.
وأمّا كون إطلاقه عليه باعتبار مجيئه لغة بمعنى المبيّن للشرع ، فيزيّفه أوّلا : منع أصل الإطلاق أو شيوعه.
وثانيا : منع مجيئه لغة لهذا المعنى بحيث لا يشهد به شاهد ، ونسبته إلى النصّ اللغوي يكذّبها إنّه خلاف ما يفهم من اللفظ عرفا ، بل خلاف ما يستفاد من كلام
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٣٨٣ باب : في أنّ ما فوّض إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد فوّض إلى الأئمّة عليهمالسلام.
(٢) الكافي ١ : ٢٦٥ باب : التفويض إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وإلى الأئمّة عليهمالسلام في أمر الدين.