السيّد والشيخ والحلّي دعوى الإجماع على ثبوتها في غير واحد من الألفاظ ، وربّما عزى الميل إلى النفي إلى جماعة من متأخّري المتأخّرين.
نعم قد نسب إلى جماعة منهم أيضا حيث لم يروا وجها لإنكارها بالمرّة ، ولم يتيسّر لهم إقامة الدليل على الثبوت المطلق ، إحداث تفاصيل عديدة :
منها : ثبوتها في ألفاظ العبادات دون المعاملات الّتي يرجع فيها إلى اللغة أو العرف ، كالبيع والهبة والصلح والدين والرهن والإجارة والعارية والوديعة والغصب والميراث والقصاص والدية وغيرها ، فإنّه باقية على معانيها الأصليّة من دون طروّ نقل لها من الشارع إلى معان اخر ، وإن توقّفت صحّتها شرعا على شرائطها المقرّرة في الشريعة ، فإنّ ذلك لا ينافيه بعد قضاء الاشتراط بخروج الشرط عن ماهيّة المشروط ، القاضي بصدق اسمه بدونه ، بخلاف العبادات الّتي لا بدّ وأن تكون متلقّاة من الشارع ، كما يرشد إليه قولهم : « بأنّها توقيفيّة دون المعاملات » بعد ملاحظة عدم كون المراد بالتوقيفيّة توقيفيّة أحكامها ، فإنّ الأحكام بأسرها توقيفيّة من غير فرق بين العبادات والمعاملات ، بل توقيفيّة موضوعاتها فإنّ موضوع العبادات كنفس الحكم الشرعي مأخوذ من الشارع بخلاف المعاملات ، فإنّ المرجع فيها إلى اللغة أو العرف.
ومنها : ثبوتها في الألفاظ المتكرّر الاستعمال ، الكثير الدوران في لسان الشارع والمتشرّعة ، كلفظ الوضوء والغسل والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والإيمان والكفر ، دون غيرها ممّا لم يتحقّق عندنا كثرة استعمالها في كلام الشارع مثل الخلع والمبارات والقسم واللعان والعدالة والفسق ، وذلك لأنّ الموجب لصيرورة اللفظ حقيقة و ـ هو كثرة الاستعمال وتحقّق الغلبة ـ قد حصل في القسم الأوّل قطعا فوجب المصير إلى مقتضاه دون الثاني ، فإنّ المفروض فيه عدم حصول الكثرة والغلبة أو الشكّ في حصولهما ، وعلى التقديرين يتعيّن النفي.
أمّا على الأوّل : فلأنّ انتفاء العلّة يستلزم انتفاء المعلول.
وأمّا على الثاني : فلأنّ النقل على خلاف الأصل ، فيقتصر فيما خالفه على موضع القطع والتعيين.