تسمية المصنّفين والمؤلّفين لمصنّفاتهم ومؤلّفاتهم بأساميها المعهودة ، فكيف بالشارع تعالى مع ما فيه من الحكمة البالغة ، ومخترعاته مع ما فيها من شدّة الاهتمام بشأنها ، وكثرة المحافظة عليها ، والقصد فيها إلى استمرارها وبقائها أبد الدهور ، وإنّه تعالى رتّب عليها أحكاما ، وتعلّق غرضه بامتثالها ، وبنى أمر المحاورة مع تابعيه ورعيّته على التخاطب بها ، وأخذها في مكالماته وسائر مخاطباته ، فيحصل القطع الضروري لمن راجع وجدانه وفطرته الأصليّة بأنّه لم يهمل جعل التسمية ووضع أسام لها ، مع ما فيهما من تسهيل الأمر على تابعيه ، حيث يتضمّن رفع تجشّم مراعاة القرائن عنهم ، والعمل على موجب حكمته البالغة لما في الوضع من حصول كمال المقصود ، وعدم كون اللفظ معه في معرض فوات ما قصد إفادته به ، من حيث ثباته حيثما حصل وعدم زواله فيستحيل عنه التخلّف ، بخلاف القرائن الّتي يعتمد عليها في مكان الوضع ، فإنّها تارة : في معرض الزوال ، واخرى : في معرض الخفاء ، وثالثة : في معرض الغفلة وعدم الالتفات إليها من السامع ، فيغلب عليها فوات الغرض من الخطاب.
ويتأكّد ذلك الحكم مضافا إلى ما ذكر ، بملاحظة ما تقدّم من عدم ظهور الخلاف بين قدماء أصحابنا في ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، بل ظهور إطباقهم عليه وإجماعاتهم المنقولة عليه في جملة من الألفاظ.
وقضيّة ذلك كلّه انعقاد ذلك اصطلاحا له حادثا منه من أوّل بناء الشرع ، واردا على الاصطلاح القديم الثابت من أهل اللغة ، فالمتعيّن حينئذ وجوب حمل خطاباته على مصطلحاته عملا بالأصل فيه ، إلى أن يعلم خلافه بقيام قرينة قاضية به.
وما يقال ـ في الاعتراض عليه من دعوى معارضته بالاستقراء المقرّر بأنّ الألفاظ الّتي كان تكلّمه فيها بمقتضى الاصطلاح القديم لا تحصى عددا ، وما نحن فيه بالقياس إليه قطرة في مقابلة البحر ـ غير مفهوم المراد إذ لو اريد به نفي الثمرة المذكورة فإنّما يتّجه إذا لم ينعقد له اصطلاح خاصّ به ، ودار كلامه بين أن يتوجّه إلى ما اقتضاه العرف القديم أو ما يساعد عليه العرف الحادث بعد زمانه.