وهذه الوجوه كما ترى كلّها قائمة في نحو المقام ، ولم ينهض على ترجيح شيء منها حجّة واضحة يصحّ التعويل عليها ، حتّى إنّ أهل القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة في ألفاظ المعاملات مطلقة لم يأتوا بشيء ينبغي الركون إليه ، فلا بدّ فيها حينئذ من مراجعة الاصول ، فيبنى على الوجه الأخير حيثما دار الأمر بينه وبين إحدى الثلاث الاولى ، لأصالة عدم النقل وأولويّة التقييد بالقياس إلى النقل والمجاز ، وعلى ثاني الوجوه لو دار بينه وبين الأوّل ، وعلى ثالثها لو دار بينه وبين الثاني ، للأصل فيهما وهو أصالة التأخّر لو قلنا بها في نظائر المقام.
وعلى جميع التقادير فهذه الألفاظ ليست بحقائق شرعيّة ولا المتشرّعة بالمعنى المأخوذ في عنوان المسألة ، بل هي إمّا حقائق أصليّة أو المتشرّعة الخاصّة أو الحقائق الفقهائيّة ، فالقول بثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها لعلّه على خلاف التحقيق.
وقضيّة ذلك كلّه كون الحقّ في المسألة هو الأوّل من التفاصيل المتقدّمة ، بل أنت بملاحظة ما أشرنا إليه من ظهور عدم ورود ما يكون من قبيل ألفاظ المعاملات في تمثيلات كلّ من تعرّض لتحرير محلّ النزاع في عدم كونها من موضوع المسألة ، ويشعر به ما يأتي من أوّل حجّتي النفاة حيث أخذ فيه التكليف واشتراطه بالفهم ، تعرف أنّه ليس تفصيلا فيها.
ويلحق بالمعاملات في عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة بل المتشرّعة فيها طوائف من الألفاظ ، ممّا توهم أو يمكن أن يتوهّم ثبوتهما فيها.
الاولى : عدّة ألفاظ واقعة على جملة من العبادات الّتي ليست من الماهيّات المخترعة والمعاني المستحدثة الّتي أحدثها الشارع ، كالطواف والوقوف والذبح ونحوها من مناسك الحجّ ، ومنها الاعتكاف ، فإنّها بمفاهيمها الأصليّة مع ما أثبت لها الشارع من القيود والزوائد اخذت في حيّز الأمر ، واجريت عليها أحكام العبادة ، والظاهر إنّه من هذا الباب ركوع الصلاة الّذي هو عبارة عن انحناء خاصّ وسجودها ، بناء على مجيئه في أصل اللغة لوضع الجبهة على الأرض ، كما يظهر من كلام بعض أهل اللغة.