ألا ترى إنّه لو قيل : « إئتني بأسد يرمي » لا مانع من التمسّك بالإطلاق لو شكّ في اعتبار ما زاد على ماهيّة الشجاع ، من وصف العالميّة أو العدالة أو غيرهما ، بل هو المتداول في العرف والعادة ، وعليه طريقة العلماء في مظانّ الاستنباط.
ثمّ إنّ الّذي يساعد عليه النظر عدم جريان النزاع على ما نسب إلى الباقلاني من كون الألفاظ الشرعيّة مبقاة على معانيها الأصليّة اللغويّة ، سواء فرض النزاع بالنسبة إلى الصحّة والعموم في مقام الاختراع أو في مقام التسمية والاستعمال ، فإنّ الباقلاني على ما اتّضح في المسألة السابقة بإنكاره التسمية والاستعمال في غير المعاني الأصليّة ينكر أصل الاختراع أيضا ، فهو منكر لكلا المقامين ، ومعه كيف يصحّ دخوله في النزاع المنعقد على أحدهما.
نعم لو تنزّل عن مرتبته وغضّ البصر عن مقالته ، أمكن دخوله في النزاع بفرضه صحّة مقالة مخالفيه ، لكنّه ليس من الدخول فيه على ما نسب إليه من المقالة. والكلام على هذا التقدير لا غير.
اللهمّ إلاّ أن يقال : بجواز دخوله بضرب من التوجيه ، على كلّ من فرضي انعقاد النزاع في مقام الاختراع أو في مقام التسمية والاستعمال.
أمّا على الأوّل : فلأنّ عدم الدخول إنّما يتّجه لو أخذ الاختراع الّذي ينكره بمعناه الظاهر ، وهو إحداث ماهيّة اخرى مغايرة لماهيّة المعنى اللغوي ، سواء اخذ المعنى اللغوي فيها أو لا.
وأمّا إذا اخذ بالمعنى المتناول لما يسلّمه من تقييد المعنى اللغوي بما ثبت له من القيود والزوائد ، فإنّه أيضا نحو اختراع وإن كان لا ينصرف إليه إطلاقه ، فدعوى عدم الدخول غير متّجهة ، ضرورة إنّ الماهيّة إذا اخذت مقيّدة بجميع ما اعتبر من الزوائد كانت صحيحة ، وإذا اخذت مجرّدة أو مقيّدة لا بجميع ما اعتبر معها من الزوائد كانت فاسدة من حيث التقييد وورود القيود بها ، وإن كانت صحيحة من حيث نفسها ، إذ الصحّة من حيث نفسها لا تنافي الفساد من حيث اعتبرت مقيّدة.