فالّذي يقتضيه التدبّر فيما قرّرناه من تصوير النزاع ، ومراجعة كلام الفقهاء واستدلالاتهم المتعلّقة بالعبادات ، هو المحاكمة بين الفريقين بالتفصيل.
فإن كان النظر في الثمرة إلى أجزاء ماهيّة العبادة فالحقّ ما ذكره الأوّلون ، وإن كان النظر إلى شروطها فالحقّ ما جزم به الآخرون.
أمّا الأوّل : فلأنّ الإجمال الّذي لا إطلاق معه يتمسّك به في موضع الشكّ مشترك اللزوم بين القولين ، غير إنّه على القول بالصحيحة إجمال مفهومي ، ومن حكمه هنا كونه محرزا لموضوع أصل الاشتغال ، وعلى القول بالأعمّ إجمال مرادي ، ومن حكمه هنا كونه محرزا لموضوع أصل البراءة.
أمّا الفرق بينهما في الإجمال : فلأنّ مقتضى ما التزم به القائل بالصحيحة من أخذ الهيئة الاجتماعيّة الخاصّة في المسمّى والموضوع له ـ حسبما قرّرناه سابقا ـ جهالة مفهوم اللفظ بما هو مفهومه ، باعتبار جهالة جزئه وهو الهيئة الاجتماعيّة الخاصّة بعدم معلوميّة تمام الأجزاء الواقعيّة ، ومقتضى ما التزم به القائل بالأعمّ من تعرية المسمّى عن هذه الهيئة الاجتماعيّة باعتبار طرف الزيادة معلوميّة مفهوم اللفظ بما هو مفهومه ، وهو الأركان الأربعة مثلا بأيّ هيئة طرئها في جانب الزيادة ، فإنّها بكلّ هيئة طرئها بانضمام الزوائد إليها من مسمّى اللفظ المعروض للوضع ، وهذا ممّا لا إجمال فيه أصلا.
نعم يطرئه الإجمال بحسب إرادة المتكلّم في مثل ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) عند الشكّ في جزئيّة شيء كالسورة مثلا ، إذ لا يدرى إنّ المراد بالصلاة في هذا الإطلاق هل هو ما دخل فيه السورة أو ما خلا عن السورة ، مع كون كلّ منهما مسمّاه على وجه الحقيقة ، نظير اسم الإشارة إذا ورد بلا قرينة الإشارة المردّد بين إرادة زيد أو عمرو ، مع كون كلّ منهما مسمّاه حقيقة ، وهذا كما ترى إجمال في المراد لا في المفهوم والمسمّى.
__________________
(١) الأنعام : ٧٢.