وحينئذ فلا يتّجه النقض بسائر العبادات على تقدير عدم ورود الأمر بها ، إذ فسادها باعتبار انتفاء الأمر لا ينافي صحّتها باعتبار عدم دخول نقص فيها ببعض ما له دخل في ترتّب الآثار المقصودة منها ، كما أنّ ورود الأمر بفاسد الحجّ باعتبار دخول النقص فيه بالنظر إلى أصل ماهيّة الحجّ لحكمة العقوبة ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ أو غيرها لا ينافي فساده بالاعتبار المذكور.
وأمّا دعوى : إمكان منع لزوم تقدّم الصحّة على الأمر ، كدعوى جواز إنشائها بهذا الأمر.
ففيها أوّلا : إنّ الصحّة ليست من الامور الإنشائيّة لتوجد بالأمر ، كيف والأحكام الوضعيّة ليست من مجعولات الشارع المتوقّفة بالإنشاء ، وهي أولى بعدم الجعل ، كما قرّرناه في محلّه.
وثانيا : إنّها لازم التقدّم على الأمر في وجه ، ولازم التأخّر عنه في وجه آخر.
إذ لو اريد بها معناها العرفي وهو الصفة المنتزعة عن الشيء باعتبار اشتماله على جميع ما له دخل في ترتّب الأثر المقصود منه ، فهي متقدّمة على الأمر لا محالة ، لوجوب تقدّم موضوع الحكم عليه.
ولو اريد بها معناها الاصطلاحي ، وهو الصفة المنتزعة عن الشيء باعتبار انطباقه على المأمور به الكلّي ، فهي متأخّرة عن الأمر لا محالة ، فلا يعقل فيها المقارنة للأمر فضلا عن كونها من الامور المتولّدة منه.
ثمّ يبقى الكلام في حقيقة معنى الفرع ـ حسبما ذكره الشهيد ـ من الاكتفاء في لزوم الحنث بمسمّى الصحّة الّذي فسّره بالدخول فيها ، على معنى الدخول في العمل على وجه الصحّة ، ووجه احتمال لزوم الحنث بمجرّد ذلك ، مع أنّه ليس من مسمّى الاسم قطعا ، مع وجه الاحتمال الآخر وهو عدم لزوم الحنث ، فإنّه لا يخلو عن غموض.
والّذي يقتضيه التدبّر هو ، إنّ وجه لزوم الحنث بمجرّد الدخول هو إنّ الحنث عبارة عن مخالفة الحلف ، أو مخالفة النهي الناشئ عنه ، ويكفي في لزومه صدق قضيّة المخالفة في نظر العرف.