وأمّا الثاني : فلأنّ الصدق العرفي وعدمه لا يحرزان إلاّ بصحّتي الحمل والسلب ، وهما في نحو المقام لا تنهضان على المطلوب بتمامه ، لكثرة ما يقع فيهما من المسامحة العرفيّة ، فقد يصحّ السلب عمّا لا يترتّب عليه الفائدة تنزيلا له منزلة ما يغاير المسمّى ، وقد يصحّ الحمل على المغاير تنزيلا له منزلة المسمّى في تماميّة الأجزاء من باب تنزيل المعدوم أو الفاقد منزلة الموجود أو الواجد ، فإنّ ذلك ممّا يوجب قوّة في الشبهة ، ولا مخلص عنها إلاّ مراجعة الوجدان ، وهي هاهنا غير مجدية.
فالإنصاف : أنّ المقام في غاية الإشكال ، لكنّه لا يخلّ بالمختار ، فإنّ مقتضى ما قدّمناه وقرّرناه من الأدلّة وقوع الوضع على الوجه المتقدّم ، بكون الشارع قد لا حظ عدّة من الأجزاء الواقعيّة واعتبرها في لحاظ الوضع ، على حسبما بيّنّاه.
وهذا كما ترى كاف في ثبوت الوضع للأعمّ ، وإن اشتبهت أعيان هذه الأجزاء ، ويمكن الذبّ عنه أيضا في خصوص الصلاة بالتزام تحديدها بما ورد في صحيحة زرارة من قول أبي جعفر عليهالسلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة ، الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » (١) لظهورها في كونه عليهالسلام بصدد بيان حال الأوامر الأصليّة المتعلّقة بالصلاة.
فقضيّة نفي الإعادة عمّا عدا الامور الخمس المذكورة أن لا يكون لغيرها دخل في قوام الماهيّة ليلزم من نقصه انتفائها المقتضي للإعادة.
وقضيّة الاستثناء من هذا الحكم مدخليّة الخمس فيها ، ولذا حكم على ما نقص بوجوب الإعادة.
نعم يشكل الحال بملاحظة دخول الثلاث الاولى الّتي هي من سلسلة الشروط في هذا الحكم ، المقتضي لدخلها في الماهيّة ولعلّه خلاف ما يزعمه الأعمّي. بل قد عرفت بما بيّنّاه سابقا خروج الشروط بالمرّة عن لحاظ التسمية.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٧.