وحاصل الدليل : أنّه لو كان أصلا لم يكن تابعا للفعل في إعلاله ، وحيث إنّه تابع علمنا أنّه ليس بأصل.
وثانيا : إنّ الفعل يؤكّد بالمصدر فيكون أصلا ، لأنّ المؤكّد تابع والتابع فرع.
وثالثا : إنّ المصدر يسمّى مصدرا لكونه مصدورا عن الفعل ، كما قالوا في « مشرب عذب » و « مركب » بمعنى مشروب ومركوب ، فيكون فرعا.
ولا يخفى ما فيها من الوهن ، ولا جدوى في التعرّض لبيان ما فيها ، وإنّما العمدة هو النظر فيما أحدثه غير واحد ممّن تأخّر من علماء الاصول من تخطئة الفريقين والإعراض عن كلا المذهبين باختيار مذهب ثالث ، وهو أنّ الأصل في المشتقّات إنّما هو المؤلّف من الحروف المرتّبة تقديما وتأخيرا ، المعرّاة عن الحركات والسكنات ، الموضوعة للحدث المطلق بشرط تحقّقها في ضمن هيئة موضوعة ، لئلاّ يرد لزوم كونها مفيدة لمعانيها في ضمن أيّ هيئة ولو غير موضوعة.
وعلّلوه باتّفاقهم على وجوب سراية الأصل في الفرع ، الّتي لا تتأتّى إلاّ بسريان لفظه مادّة وهيئة وسريان معناه ، لوضوح عدم كونه في المصدر والفعل عبارة عن اللفظ فقط ، ولا عن المعنى وحده ، ولا لفظه عبارة عن المادّة فقط ولا عن الهيئة وحدها ، فالواجب حينئذ سريانه بجميع هذه الاعتبارات.
ولا ريب أنّه بهذا المعنى غير متحقّق في شيء منهما ، لعدم وجود الهيئة المصدريّة في الفعل ولا سائر المشتقّات ، كعدم وجود معناه فيهما ، لكونه الحدث المخصوص المقيّد بالنسبة الإجماليّة المعبّر عنها « بالإصدار » و « الصدور » وعدم وجود الهيئة الفعليّة ولا معناه في المصدر وسائر المشتقّات ، فلا بدّ وأن يكون الأصل أمرا ثالثا يتساوى نسبته إليهما وإلى غيرهما وليس إلاّ ما ذكر ، لكونه باعتبار اللفظ لا بشرط شيء من الهيئات ، وباعتبار المعنى لا بشرط شيء من الخصوصيّات المضافة إلى المعنى الحدثي حتّى النسبة تفصيليّة وإجماليّة المستفادة من المشتقّات المختلفة باختلاف أنواعها ، فيصحّ سريانه بكلا الاعتبارين إليها وإلى المصادر أيضا ، بملاحظة أنّ اللابشرط لا ينافيه ألف شرط بل يجتمع مع ألف شرط.