وقد اختلف المتأخّرون في وضع الألفاظ النوعيّة لنفس هذا المفهوم. وقد مال إليه بعض الأعلام ، أو للمصاديق الّتي اخذ المفهوم منها ، وهي نفس الحقائق الملحوظة بالحيثيّة المذكورة ، كلّية وجزئيّة ، فيكون المفهوم إنّما لو حظ لمجرّد المرآتية كما عليه جمع من الاصوليّين ، وهو الأظهر بل المقطوع به من جهة استقراء موارد الاستعمالات وملاحظة كيفيّة إطلاقات المشتقّ ، مثل « الكاتب » ونحوه حيث لا نجد إطلاقه إلاّ على نفس الحقيقة من غير نظر إلى المفهوم.
ولا نجد فيها بين ما لو كانت الحقيقة كلّية أو شخصيّة فرقا ، بل نجد الإطلاق في الحقيقة الشخصيّة مع قيد الخصوصيّة نحوه في الحقيقة الكلّية ، فيراد من « الكاتب » تارة الحقيقة الكلّية المأخوذة بوصف الكاتبيّة.
واخرى الحقيقة الشخصيّة المأخوذة بهذا الوصف ، وإنّما يتبع ذلك لكلّية الذات الموصوفة به وجزئيّتها ، ففي مثل « الإنسان كاتب » يراد به الحقيقة الكلّية المأخوذة بهذا الوصف ، وفي مثل « زيد كاتب » يراد به الحقيقة الشخصيّة المأخوذة بهذا الوصف ، وهو في الكلّ يقع بحكم الاستقراء والوجدان على نحو الحقيقة ، فليس المشتقّ الواقع على الشخص على حدّ اسم الجنس الواقع عليه ، ليكون حقيقة في وجه ومجازا في وجه آخر.
فعلم بما قرّرناه : أنّ المراد بالذات أو الشيء المأخوذين في مفهوم المشتقّ إنّما هو مصداقهما ، أعني الحقيقة المأخوذة من حيث الوصف المستفاد من المادّة لجهة ثبوته فيها ، كما في المشتقّات الثبوتيّة ، أو لجهة وقوعه منها أو عليها أو فيها أو بها كما في المشتقّات الحدوثيّة.
وأمّا الثاني فبيانه : أنّ الجهة من الضرورة واللاضرورة وغيرهما إنّما تتبع النسبة المأخوذة في القضيّة ، وهي تتبع الحيثيّة الّتي اخذ المحمول محمولا بالنظر إليها ، فإن كان النظر فيه إلى حيث هي هي كما في « كلّ إنسان حيوان » لا بدّ وأن يعتبر الجهة راجعة إلى حيث هي هي ، ولذا يكون هذه القضيّة ضروريّة.
وإن كان النظر فيه إلى حيث الوصف كما « في كلّ إنسان كاتب » لابدّ وأن