وأمّا الثاني : فلأنّ أخذ قيام الحدث بفاعل مّا ـ وهو الذات المبهمة ـ في وضع الفعل لا يستقيم على ما ذهب إليه جمهور المحقّقين من إثبات الوضع للمركّبات التي منها المركّب من الفعل وفاعله في نحو « ضرب زيد » و « يضرب عمرو » مثلا ، لأنّهم إنّما أثبتوه فيه بإزاء الإسناد الّذي لا معنى له إلاّ قيام الحدث بفاعل مّا ، والمفروض أنّه في كلّ من المركّب والفعل من باب الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، فالإسناد الجزئي بين « زيد » و « ضرب » أو « يضرب » في المثال هو نفس ما وضع له ، فيلزم الالتزام بثبوت وضعين لمعنى واحد أحدهما باعتبار المركّب والآخر باعتبار أحد جزئيه ، وهو مع أنّه لا يلائم حكمة الواضع ، عديم النظير فيما بين الألفاظ الموضوعة ، كما أنّه لا يستقيم على القول بنفي الوضع في المركّبات ، لقضائه بكون ذكر الفاعل المعيّن في جميع مواقعه مع الفعل لمجرّد رفع الإبهام ، وتعيين الذات المنسوب إليها الحدث بمقتضى وضع الفعل ، لا لدخله في إسناد الكلام فيكون على حدّ سائر القرائن المفهمة ، وهو خلاف ما يرشد إليه ضرورة العرف واللغة ، لوضوح الفرق بينه وبينها من حيث إنّ له دخلا في الإسناد ، إذ لولاه لم ينعقد إسناد ، ولو انعقد فهو ناقص ، ولذا لا يكون الفعل بدونه مفيدا ، بخلاف القرائن المفهمة ونحوها لعدم دخل لها في إسناد الكلام أصلا.
وتحقيق المقام أنّه لا إشكال في دخول الحدث المخصوص في مدلول الفعل ، وإنّ الدلالة عليه إنّما هو بمقتضى وضعه المادّي ، كما أنّه لا إشكال في دخول نسبته إلى الزمان باعتبار وقوعه فيه في مدلوله لكن باعتبار وضعه الهيئي ، لنصّ أئمّة اللغة بل إطباقهم عليه ، كما يعلم من حدودهم للفعل بأنّه ما دلّ على اقتران حدث بزمان ونحوه ممّا يرادفه ، مع كون النسبة الزمانيّة ممّا يتبادر منه بملاحظة هيئته مع شهادة الاستقراء به ، فإنّ المعلوم من ملاحظة الأفعال استفادة الزمان منها ، واختلافه باختلاف هيئآتها وإن اتّحدت موادّها ، واتّحاده باتّحاد هيئاتها وإن اختلفت الموادّ.
وقضيّة ذلك مدخليّة الهيئة في الدلالة على الزمان ، ولا يعقل له وجه سوى