وإن كان متضادّين « كالقرء » للطهر والحيض و « الجون » للبياض والسواد ، في قولنا : القرء من صفات النساء ، والجون من عوارض الجسم ، بخلاف صيغة « إفعل » للوجوب والتهديد فإنّه لا يمكن إرادتهما معا منه في إطلاق واحد.
ويحتمل كون مرادهم به إمكان الجمع بينهما في الامتثال ، احترازا عمّا لا يمكن الجمع بينهما في الامتثال ، لأوله إلى التكليف بما لا يطاق ، كقوله ـ لشخص واحد في زمان واحد ـ « عسعس » في الأمر من العسعاس ، مريدا به معنى أقبل وأدبر فإنّ الإقبال والإدبار متضادّان لا يمكن الجمع بينهما في الامتثال.
ويحتمل كون مرادهم إمكان الجمع بينهما بحسب قابليّة المقام ، بأن يكون المقام قابلا لاجتماعهما فيه ، احترازا عمّا لا يكون قابلا له ، كما لو كان لفظ مشتركا بين المعنى الفعلي والمعنى الحرفي مثلا ، مثل : « على » و « في » فإنّ كلاّ منهما يرد فعلا كما في قوله تعالى : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ )(١) وقولنا : « في بعهدك » وحرفا كقوله : « كن على السطح » و « زيد في الدار » فإنّهما حيث يراد منهما المعنى الفعلي كالمثالين الأوّلين فالمقام لا يناسب معه المعنى الحرفي ولا يصلح له ، وحيث يراد منهما المعنى الحرفي كالمثالين الأخيرين فالمقام لا يناسب معه المعنى الفعلي ولا يصلح له ، فهذان المعنيان ممّا لا يمكن الجمع بينهما بحسب قابليّة المقام.
وهذا أبعد الاحتمالات ، لمنع كون الكلمتين في معنييهما الفعلي والحرفي من باب الاشتراك ، بل كلّ منهما فعلا وحرفا كلمتان مستقلّتان ، كما يرشد إليه التأمّل في لحوق الإعلال بهما فعلا ، فبسببه اتّحدتا معهما حرفا في الصورة فكلّ منهما في معنييهما الفعلي والحرفي من الألفاظ المتبائنة لتعدّد اللفظ والمعنى معا ، فعدم قابليّة المقام لاجتماع معنييهما الفعلي والحرفي إنّما هو باعتبار عدم قابليّته للفعل والحرف معا ، إذ لا ريب في أنّ كلمة « على » في مقام واحد لا يمكن أن ترد فعلا وحرفا معا ، وكذلك كلمة « في ».
__________________
(١) القصص : ٤.