فالّذي يختلج بالبال اختصاص النزاع هنا بالمجوّزين ثمّة ، فإنّهم بعد ما بنوا على أنّ ما اعتمد عليه المانعون ثمّة لا يصلح سندا للمنع ، تكلّموا في أنّ مجازيّة أحد المعنيين هل تصلح سندا للمنع أو لا ، فافترقوا فريقين.
وربما يؤيّده ما جزم به بعضهم من كون النزاع لفظيّا ، باعتبار أنّ المجوّز يجوّز ما لا ينكره المانع ، وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والمعنى الكنائي الغير المستلزم للقرينة المانعة ، والمانع يمنع ما لا يجوّزه المجوّز وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي باصطلاح البياني وهو المستلزم للقرينة المانعة ، فالفريقان مطبقان على الجواز في الأوّل وعلى عدمه في الثاني.
أمّا الأوّل : فلما ذكره علماء البيان في باب الكناية ، من تفسيرها : بلفظ اريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه ، وفي موضع آخر : أنّه لفظ اريد به غير ما وضع له مع جواز إرادته معه ، وظاهر الاتّفاق على ذلك.
وأمّا الثاني : فلأنّ امتناع الجمع بينهما معلوم بالضرورة ، فكيف يتصوّر تجويزه من العارف بالاصطلاح.
وظاهر أنّ الاتّفاق على الجواز هنا في الجملة لا يستقيم إلاّ على القول بالجواز في البحث السابق ، إذ قضيّة القول بالمنع ثمّة ودليله هو المنع هنا مطلقا.
وينبغي التنبيه على امور من باب مبادئ المسألة :
الأمر الأوّل : في بيان صحّة ما ذكره البعض وسقمه من لفظيّة النزاع ، كما عرفت وقد ذكره السيّد الطباطبائي في شرحه للوافية.
ويزيّفه أوّلا : أنّ النزاع اللفظي في المسائل العلميّة بعيد عن طريقة أهل النظر.
وثانيا : يأباه ظاهر قولهم : « اختلفوا في الجواز وعدمه » في عناوين المسألة على ما هو في الكتب الاصوليّة ، مضافا إلى أنّ هذه العناوين ظاهرة في توارد النفي والإثبات على موضوع واحد ، كما هو الأصل الكلّي في جميع المسائل الخلافيّة ، وعلى هذه القاعدة فالمعنى المجازي المأخوذ في العنوان قبالا للمعنى الحقيقي الّذي توارد عليه النفي والإثبات. إمّا أن يراد به ما يعمّ المعنى الكنائي