لمن يأتي بها بدافع التقرب والاخلاص لله سبحانه ـ ولكن المطلوب من المؤمن الواعي ان يدرك فلسفة العبادة بمعناها العام ويعرف الغاية الاساسية المقصودة من تشريعها وهي ترسيخ صفة التقوى والتجمل بها في كل الاحوال وعند ممارسة جميع الاعمال لتصبح كلها عبادة له تعالى يتقرب بها اليه زلفى وبذلك ندرك ان قيمة قراءة القرآن تكون بقدر تجاوب القارىء مع تعاليمه السامية وتوجيهاته المربيه ـ ويتمثل ذلك بفعل ما يأمر به من واجب او مستحب وترك ما ينهى عنه من حرام او مكروه واذا لم يكن لديه طموح عبادي يدفعه لفعل المستحب مع الواجب ويمنعه من فعل المكروه مع الحرام ـ فلا اقل ومن باب اضعف الايمان ان يلتزم بامتثال الحكم الالزامي الوجوبي والتحريمي ـ وبذلك يعرف ان المؤمن الواعي لغاية قراءة القرآن لو قرأ قليلا منه ولو آية وطبقها في حياته العملية فإنه ينال الثواب العظيم ويتفوق به على من قرأ القرآن كله ولم يعمل بأية آية من آياته ولكنه اكتفى بالتلاوة فقط انسياقا مع العادة الجارية واخذا بظاهر ما دل على استحباب قراءة القرآن بصورة مؤكدة في شهر رمضان وخصوصا في ليلة القدر وحيث ان مقصودي من هذا الحديث لفت النظر الى بعض الامور الغامضة التي يغفل عنها الكثيرون من اخواني المؤمنين الاعزاء وابنائي الاحباء ـ فلا بد من التنبيه الى ما اشرت اليه وبيان ان القراءة المطلوب هي المقترنة بالتدبر عملا بقوله تعالى :
( أفلا يتدبرون القران أم على قلوب اقفالها (٢٤) ) (١).
والتدبر الواعي يوحي لنا ان المقصود من تلاوة آيات هذا الكتاب الكريم ـ هو العمل بمقتضاه والسير على ضوء هداه لانه كتاب تربية ودستور عمل ومنهج حياة ولم ينزل لمجرد التبرك بتلاوته وتحصيل الثواب بقراءته لينال القارىء هذه الفائدة بمجرد التلاوة وعلى ضوء معرفة الغاية الاساسية
__________________
(١) سورة محمد ، آية : ٢٤.