الجاهل المطلق لا مطلق الجاهل). انتهى.
ثم العجب من شيخنا (١) ـ زيد عمره وفخره ـ أنه استند فيما قدّمنا نقله عنه إلى كلام هذا الفاضل ، مع أن ما رجّحه هذا الفاضل أخصّ ممّا ذهب إليه هو ـ سلّمه الله تعالى ـ إذ حاصل كلام الفاضل المذكور بعد الحيرة والتردد في أوّل كلامه : تخصيص المعذوريّة بالجاهل الذي لا يمكنه الاحتياط على وجه قريب وإن علم أنه مكلّف بالوجوب والحرمة ونحوهما ، وإلّا لو خصّ المعذوريّة بالجاهل الغير العالم بأنه مكلّف بتلك الأشياء ، لم يعذر أحد من الجهّال بعد العلم بأنه مكلّف. والرواية بخلافه. هذا خلاصة كلام ذلك الفاضل قدسسره ، وبه يتّضح لك وجه الغفلة في كلام شيخنا ، أيّده الله تعالى بتأييده.
أقول : وكلام هذا الفاضل قدسسره يحوم حول ما قدّمنا تحقيقه ، ولكنه لم يبصر طريقه ؛ فلذا بقي في قالب الالتباس عليه وعلى جملة من الناس. والظاهر أن مراد الشيخ قدسسره ـ فيما نقله عنه في النكاح وإن لم يحضرني الآن صورة عبارته ـ بالجهل الذي يمكن معه الاحتياط ، ولا يعذر صاحبه هو الجهل بالمعنى الأوّل الذي هو عبارة عن تصوّر الحكم مع الشكّ فيه ، أو الظنّ وعدم إمكان العلم دون المعنى الثاني ، وهو الخالي عن تصوّر الحكم بالكلّيّة فإنه ـ كما عرفت ـ لا يتصوّر الاحتياط في حقّه بالمرة. وهذا التفصيل من الشيخ ، المقتضي لإيجاب الاحتياط في صورة الجهل بأحد معنييه موافق لما ذهب إليه من التثليث (٢) في الأحكام ، كما ذكره في كتاب (العدة) (٣) ، وإلّا فمن يقول بالتثنية يعمل في مثل هذه الصورة على البراءة الأصلية ، ويكون الاحتياط عنده مستحبّا لا واجبا.
__________________
(١) في «ح» : ثم العجب أيضا من شيخنا المشار إليه.
(٢) في «ح» : القول بالتثليث.
(٣) العدّة في اصول الفقه ٢ : ٧٤٢.