عندي هو الأول ؛ لوجوه :
أحدها : ما أشرنا إليه آنفا من أن الشارع لم يجعل الحكم بالطهارة والنجاسة أمرا منوطا بالواقع ونفس الأمر ، وإنما رتّبها على الظاهر في نظر المكلّف ، فأوجب عليه الصلاة في الثوب الطاهر ، أي ما لا (١) يعلم بملاقاة النجاسة له وإن لاقته واقعا ، لا ما لم تلاقه النجاسة. ولا نقول : إنه طاهر ظاهرا نجس واقعا ، فإن النجس ـ كما عرفت ـ هو ما (٢) علم المكلّف بملاقاة النجاسة له لا ما لاقته النجاسة مطلقا. وقد مضى في الدرّة الاولى (٣) ما يحقق هذا الكلام.
وثانيها : ما أسلفناه (٤) من الأخبار الدالّة على المنع من الإخبار بالنجاسة وإن كان في أثناء الصلاة ، ولو كان الأمر كما يدّعونه من كون وصف النجاسة والطهارة ونحوهما ، إنّما هو باعتبار الواقع ونفس الأمر ، وأن تلبّس المصلّي بالنجاسة جاهلا موجب لبطلان صلاته واقعا ، فكيف يحسن من الإمام عليهالسلام المنع من الإيذان بها؟ والإخبار في الصلاة كما في حديث محمد بن مسلم وقبلها ، كما في رواية ابن بكير؟ وهل هو ـ بناء على ما ذكروه ـ إلّا من قبيل التقرير له على تلك الصلاة الباطلة والمعاونة على الباطل؟ ولا ريب في بطلانه.
وثالثها : أنه يلزم ـ على ما ذكروه ـ عدم الجزم بصحّة شيء من العبادات إلّا نادرا. وبذلك (٥) أيضا اعترف شيخنا الشهيد الثاني في تتمّة الكلام الّذي قدمنا نقله عنه حيث قال على أثره : (ولا يخفى ما فيه من البلوى ؛ فإن ذلك يكاد يوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة ؛ لكثرة النجاسات في نفس الأمر وإن لم يحكم الشارع ظاهرا بفسادها ، فعلى هذا لا يستحقّ عليها ثواب الصلاة وإن
__________________
(١) في «ح» : لم.
(٢) في «ح» : ما هو ، بدل : هو ما.
(٣) انظر الدرر ١ : ٦٣ ـ ٧٥.
(٤) في «ح» : أسلفنا.
(٥) في «ح» بعدها : أيضا.