الابتلاء والاختبار للعباد بالتورّع عن ذلك وعدمه ليتميّز المتّقي الورع باحتياطه في الدين وعدم رتعه حول الحمى ممّن لا يبالي بذلك. وهذا من جملة الفتن التي بني عليها التكليف ، وأشار إليها (القرآن) المجيد في غير مقام. وهذا هو السر في نصب جميع الشبهات ، وإنزال الآيات المتشابهات ، وخلق الشياطين والشهوات.
بل أنت إذا تأمّلت في وجوه التكليفات ، رأيتها كلها من ذلك القبيل ، وإلّا فإن الله سبحانه قادر أن (١) ينزل جميع الأحكام التي تحتاج إليها الأمة في (القرآن) بدلالات واضحة قطعيّة خالية من المعارض ، بحيث لا يختلف فيها من نظر فيه.
وكذا كان الرسول صلىاللهعليهوآله ، قادرا على تأليف كتاب كذلك. بل كل واحد من الأئمَّة عليهمالسلام ولكن لم يكن ذلك موافقا لحكمة التكليف.
ووجه آخر ، وهو إلزام العباد الرجوع إلى أهل الذكر واولي الأمر ـ صلوات الله عليهم ـ كما أشار إليه تعالى في كتابه المجيد في عدة آيات ، كقوله (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). (٢)
وقوله (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٣).
وقوله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤).
وقد ورد في بعض النصوص أن ذلك وجه الحكمة في تعمية (القرآن) على أذهان الرعية ، والله سبحانه وأولياؤه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أعلم بحقائق ما أتوا به من الأحكام.
__________________
(١) في «ح» : على ان.
(٢) النساء : ٨٣.
(٣) آل عمران : ٧.
(٤) النحل : ٤٣.