الشارع بالبناء على يقين الطهارة متعلق بجميع الأوقات والحالات إلى أن يحصل يقين الرافع ، بخلاف حكمه بصحّة التيمّم ، والدخول به في الصلاة ؛ فإنه مقصور على حال عدم الماء.
والظاهر أن منشأ الشبهة عنده حمل العلم واليقين المستصحب على ما هو في الواقع ونفس الأمر ، بمعنى أنه إذا تطهّر من الحدث ، أو غسل ثوبه من النجاسة ، فقد حصلت الطهارة من الحدث والخبث يقينا ، فيستصحب هذا اليقين إلى يقين وجود الرافع. وهو غفلة ظاهرة ؛ فإن اليقين في هذه المواضع وأشباهها ، إنما هو عبارة عن عدم العلم بالرافع ، وهو أعم من أن يكون مع العلم بعدمه أم لا ، لا عن العلم بعدمه ؛ إذ الشارع لم ينط (١) الأحكام بالواقع ، لتعذره. فالظاهر ـ مثلا ـ ليس إلّا عبارة عما لم يعلم بملاقاة النجاسة له ، لا ما علم عدم الملاقاة له ؛ والحلال ليس إلّا ما لم يعلم تحريمه ، لا ما علم عدم تحريمه ؛ والنجس ليس إلّا ما علم ملاقاة النجاسة له ، لا ما لاقته النجاسة مطلقا.
وحينئذ ، فإذا كان اليقين إنما هو عبارة عن عدم العلم بالرافع ، فهو ثابت لما تعلق به في جميع الأحوال والأزمان إلى أن يحصل العلم بوجود الرافع. هذا فيما وقع فيه النهي عن نقض اليقين إلّا بيقين مثله من تلك الأخبار التي سردها ، وأما في جملة منها ، فالأحكام مقصورة على مواردها ، وقوله : (فإن الحكم في خصوص هذه المواضع) ـ إلى آخره ـ ممنوع.
وبالجملة ، فإن الاستصحاب المتنازع فيه إنما هو عبارة عن إجراء الدليل بعد ثبوته في موضع إلى موضع آخر عار عن الدليل. وهذه الأخبار التي نقلها مما لا
__________________
(١) في «ح» : ينظر.