ولا يخفى ما فيه ؛ فإنه محض مصادرة ، فإن الخصم يدّعي تخصيص التحريم بما عدا هذه الصورة ؛ دفعا للحرج والضرورة ، ويجعل ذلك من قبيل التوصّل إلى أخذ الحقّ ممن ينكره ويجحده بسرقة وغيلة ونحو ذلك.
نعم ، لقائل أن يقول : إن عموم الأخبار الواردة في المقام شامل لما استثنوه ، والمخصص المذكور غير صريح في التخصيص ؛ فيجب الحكم بالتحريم مطلقا ، إلّا إن الظاهر أيضا أنه لا يخلو من شوب النظر ؛ فإن خبري أبي بصير المتقدمين قد دلّا على التحريم في من دعاه خصمه إلى حكام العدل فأبى إلّا الترافع إلى حكام الجور. وكذا ظاهر الآية بالنظر إلى سبب (١) نزولها ، وما عدا ذلك من الأخبار وقصاراه أن يكون مطلقا ، فيجب حمله على المقيد.
على أن مقبولة عمر بن حنظلة المذكورة ظاهرة في التقييد ، فإنه لما بين عليهالسلام تحريم التحاكم إلى العامة ، وجعله من باب التحاكم إلى الطاغوت ، قال له الراوي : (كيف يصنعان إذن؟). فأمره عليهالسلام بالرجوع إلى حكام العدل.
فظاهره أن محل التحريم ، هو الترافع إليهم ، مع وجود حكّام العدل ؛ إذ لو كان التحريم مطلقا ، لما كان لبيان المخرج في حيرة الراوي وسؤاله بالرجوع إلى حكام العدل وجه (٢) ، وكذلك روايتا (٣) أبي خديجة الآتيتان (٤).
وبالجملة ، فغاية ما تدلّ عليه الآية وأخبار المسألة المنع من التحاكم إليهم مع وجود حكّام العدل ، كما هو المفروض فيها. وحينئذ يبقى هذا الفرد خارجا عن أخبار المنع من التحاكم إلى الطاغوت.
وقال المولى المحقّق الأردبيليّ ـ نوّر الله تعالى مرقده ـ في كتاب (آيات
__________________
(١) ليست في «ح».
(٢) خبر (كان) في قوله : لما كان لبيان المخرج ...
(٣) من و «ح» ، وفي «ق» : رواية.
(٤) انظر الدرر ١ : ٢٥٨ / الهامش : ٦ ، ٢٥٩ / الهامش : ٢.