أو بواسطة ، وعلى هذا كان عمل أصحابهم في زمانهم ، كما لا يخفى على المتتبّع.
وأما في مثل زماننا من حيث اختلاف الأخبار الواصلة إلينا ، واشتباه الدلالات بقيام الاحتمالات ، وفقد قرائن المقامات ، فلا بدّ من معرفة ما يتوقف عليه فهم المعنى من العلوم المقررة ، ومعرفة ما يتوقف عليه من (الكتاب) العزيز ، ومعرفة القواعد المقررة ، والضوابط المعتبرة المأثورة عنهم عليهمالسلام ، سيما في الجمع بين مختلفات الأخبار ونحو ذلك ، كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار.
ولا بد مع جميع ذلك من القوة القدسية التي بها يتمكّن من استنباط الأحكام ؛ وهي المعبر (١) عنها بالملكة بين علمائنا الأعلام ؛ وهي العمدة في الباب. وإلّا فما عداها مما ذكرنا ربما صار سهل المأخذ لما حقّقه الأصحاب ، وتلك القوة بيد الله سبحانه يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده ، ولكثرة الممارسة لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها. وكذا للتدرّب في أخبارهم ، والتصفح لآثارهم ، وتفريغ القلب ، وتصفية الباطن ، وتحليته بالفضائل ، وتخليته من الرذائل ، والرياضة بالملازمة على الطاعات والعبادات ، واجتناب المنهيّات (٢) ، بل وسائر المباحات ، ومجاهدة النفس الأمّارة ، بالزهد في الدنيا ، والورع في الدين ، أثر عظيم في حصولها (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٣).
وقال سبحانه (٤) (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ) (٥).
وقال (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٦).
وفي الحديث النبوي : «ليس العلم بكثرة التعلم ، إنّما هو نور يقذفه الله (٧) في
__________________
(١) من «ح».
(٢) كذا في النسختين.
(٣) العنكبوت : ٦٩.
(٤) ليست في «ح».
(٥) البقرة : ٢٨٢.
(٦) الأنفال : ٢٩.
(٧) في المصدر : يقع ، بدل : يقذفه الله.