وأمّا التجزّي ، فهو كثير الأفراد ، منتشر الأعداد ، وهو على مراتب غير متناهية ، كما أشار إليه شيخنا الشهيد الثاني ، متفاوتة في القرب من المطلق والبعد منه على قدر تفاوت القوى الاستدلالية شدّة وضعفا ، وزيادة ونقصانا) (١) انتهى كلامه ، علت في الفردوس أقدامه.
وأنا أقول وإن كنت ممن يقصر عن السباق في مضمار هؤلاء الفحول ، ويكبو جواده عن اللحاق في ميدان تلك العقول : إنه حيث كان الاجتهاد الّذي بني عليه هذا الكلام ممّا لم يقم عليه عندي دليل من أدلاء الملك العلام ، وإنّما الذي دلّت عليه أخبارهم كما تقدّم لك شطر منها هو أن النائب عنهم عليهمالسلام هو (٢) من روى أخبارهم وعرف أحكامهم وتتبّع آثارهم ، مع ما استفاض عنه صلىاللهعليهوآله من قوله : «إني تارك فيكم الثقلين ... كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (٣).
فالواجب حينئذ هو التمسّك بهما والأخذ بما فيهما لا غير ، إلّا إنه لما كانت الآيات القرآنية فيها المجمل والمبين ، والمتشابه والمحكم ، والعامّ والخاصّ ، والناسخ والمنسوخ ، ونحو ذلك ، وكذلك الأخبار قد اشتملت على ما عدا الأخير ، وعوضت عنه باشتمالها على التقية التي هي أشدّ محنة وبلية ، وانضاف إلى ذلك تفرقها في الاصول وتشتتها على وجه ربما يعسر (٤) [معه] إليها الوصول. وكان خطابهم ـ صلوات الله عليهم ـ للناس ربما بني على الزيادة والنقصان بما تحتمله عقول المخاطبين في ذلك الزمان ، فبين ظاهر جلي (٥) ودقيق خفي. وقد خفيت علينا أكثر القرائن الحالية التي كانت بها الدلالات واضحة جليّة.
__________________
(١) العشرة الكاملة : ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٢) من «م».
(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٣ ـ ٣٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٥ ، ح ٩ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، مناقب علي بن أبي طالب (ابن المغازلي) : ٢٣٤ / ٢٨١ ، وانظر : ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٢٨٢ ـ ٢٨٤ ، عمدة عيون صحاح الأخبار : ٦٨ ـ ٧٦ / ٨١ ـ ٩١.
(٤) في «ح» : بعثر.
(٥) في «ح» بعدها : ما بين.