وثالثا : أنه على تقدير تسليم ذلك ، فكيف تكون جاهلة جهلا مركبا حاكمة بما ليس عليه دليل مع أنه زعم أن جميع الامور الحادثة في عالم الكون والفساد إنما هو من لوازم حركاتها ونتائج بركاتها؟ وكيف يسلط الله هذه النفوس الجاهلة على كافة الحوادث الكائنة في عالم الكون ، فربما يحدث منها لجهلها ما يكون قبيحا مستقبحا مخلّا بالنظام؟
ورابعا : أن نسبة وجود جميع حوادث عالم الكون إلى الأفلاك مخالف لما عليه الإمامية ـ رضوان الله عليهم ـ فإن ما يحدث فيها من أفعال العباد مخلوقة لهم وما يحدث من غير ذلك فهي مخلوقة لله سبحانه) انتهى.
أقول : ولو أجيب عن الوجه الأوّل والرابع بما ذكره من قوله : بل فعلهم بعينه فعل الله ـ إلى آخره ـ ففيه أنه يلزم أن يكون التردّد الحاصل لتلك النفوس في وقوع شيء أو لا وقوعه فعل الله سبحانه ، وأنه هو المتردد على الحقيقة كما يشعر به تنظره بحواسّ الإنسان ، مع أن سبب التردّد المذكور كما ذكره إنما هو للجهل وعدم العلم برجحان أسباب الوقوع أو اللاوقوع. وحينئذ ، فيلزم حصول ذلك له تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وكذا يلزم مثله في البداء أيضا فإنه يأتي بناء على ما ذكره أن حكم تلك النفوس بوقوع أمر ـ باعتبار حصول العلم بأسباب حدوثه والمقايسة فيها مع جهلها بتأخر بعض الأسباب الموجب لوقوع (١) الحادث على خلاف ما توجبه بقية الأسباب لو لا ذلك السبب ـ هو حكم الله تعالى بعينه ؛ إذ فعلهم بعينه فعل الله سبحانه ، مع أن هذا الحكم إنما نشأ حقيقة من الجهل بذلك السبب المتأخّر ، والله سبحانه يجلّ عن ذلك.
__________________
(١) في «ح» : وقوع.