مبالغة في القرب ، وبيان لاستيلاء سلطان المحبة على ظاهر العبد وباطنه ، وسره وعلانيته. فالمراد ـ والله أعلم ـ : أني إذا أحببت عبدي جذبته إلى محل الانس ، وصرفته إلى عالم القدس ، وصيرت فكره مستغرقا في أسرار الملكوت ، وحواسّه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت ، فتثبت حينئذ قدمه ويمتزج بالمحبّة لحمه ودمه ، إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسه ، فتتلاشى الأغيار في نظره حتى أكون [له] بمنزلة سمعه وبصره ، كما قال من قال :
جنوني فيك لا يخفى |
|
وناري فيك لا تخبو |
فأنت السمع والأبصا |
|
ر والأركان والقلب) (١) |
انتهى كلامه ، علا في الفردوس مقامه.
قال بعض الأفاضل الأعلام بعد نقل هذا الكلام : (أقول : هذا قريب مما نقل عن صاحب (الشجرة الإلهية) أنه قال : كما أن النفس في حال التعلق بالبدن يتوهم أنها هو وأنها فيه وإن لم تكن هو ولا فيه ، فكذلك النفس إذا فارقت البدن وقطعت تعلقها من شدة قوتها ونوريتها وعلاقتها العشقية مع نور الأنوار والأنوار العقلية تتوهم أنها هي فتصير الأنوار مظاهر النفوس المفارقة ، كما كانت الأبدان أيضا. فهذا هو معنى الاتّحاد لا صيرورة الشيئين شيئا واحدا ؛ فإنه باطل) (٢) انتهى.
ومنها ما ذكره الفاضل المحقق الملّا محمد صالح المازندراني في (شرح اصول الكافي) ، حيث قال : (والذي يخطر بالبال على سبيل الاحتمال أني إذا أحببته كنت كسمعه الذي يسمع به وكبصره إلى آخره في سرعة الإجابة ، وقوله : «إن دعاني أجبته» إشارة إلى وجه التشبيه ، يعني : أني أجيبه سريعا إن دعاني إلى مقاصده ، كما يجيبه سمعه عند إرادته سماع المسموعات ، وبصره عند إرادته
__________________
(١) البيتان من الهزج. الأربعون حديثا : ٤١٥ ـ ٤١٦ / شرح الحديث : ٣٥.
(٢) شرح الكافي (المازندراني) ٩ : ٤٠٠ ـ ٤٠١.