يا أمير المؤمنين ، أتقول : إن الله واحد؟
قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا إعرابي ، ما ترى ما فيه أمير المؤمنين عليهالسلام من تقسم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم. ثم قال : يا أعرابي ، إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه :
فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد. أما ترى أنه كفر من قال (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (١)؟ وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز (٢) ؛ لأنه تشبيه ، وجل ربنا تعالى عن ذلك.
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبيه ، وكذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عزوجل أحديّ المعنى ، يعني به : أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربنا عزوجل».
ولنتكلم أولا فيما تضمّنه هذا الخبر الشريف ، ونوضّح ما اشتمل عليه من المعنى المنيف ، فنقول : اعلم أنهم قد ذكروا أن الواحد يطلق على معان :
أحدها ـ وهو المشهور المتعارف بين الناس ـ : كون الشيء مبدأ لكثرة (٣) عادا لها. والمتصور لأكثر أهل العلم صدق هذا الاعتبار على الله ، بل لا يتصور بعضهم كونه تعالى واحدا إلّا بهذا المعنى.
وثانيها : أن يكون بمعنى جزء من الشيء ، كما يقال : الرجل واحد من القوم ، أي فرد من أفرادهم.
__________________
(١) المائدة : ٧٣.
(٢) في المصدر بعده : عليه.
(٣) في «ح» بعدها : يكون.