بل الأظهر في معنى الخبر المذكور ، أنه لمّا سأل السائل عن حكم الشراء في السوق المذكورة إذا كان البائع مسلما ، وأنه هل يسأل عن ذكاته أم لا؟ أجاب عليهالسلام بالتفصيل بأنه إذا كان في تلك السوق من يبيع من المشركين فعليكم السؤال في ذلك المسلم ؛ إذ لعلّه أخذه من المشركين ، وإذا رأيتم المسلم يصلّي فيه فلا تسألوا ؛ لأن صلاته فيه دليل على طهارته عنده.
ويفهم من الخبر بمفهوم الشرط أنه مع عدم من يبيع من المشركين فليس عليهم السؤال ، ويدلّ على عدم السؤال إطلاق صحيحة البزنطي ، قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها؟ قال : «نعم ، ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر عليهالسلام كان يقول : إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، وإن الدين أوسع من ذلك» (١).
وأنت خبير بأنه يظهر من خبر البزنطي المذكور ـ حيث تضمّن نفي المسألة والردّ على الخوارج في ذلك ، ونسبتهم إلى تضييق الدين بالمسألة ـ أنه مع السؤال يقبل قول المسؤول ، وإلّا لما حصل الضيق في الدين بالسؤال كما لا يخفى ؛ إذ الظاهر أن المراد من الخبر أن جميع الأشياء بمقتضى سعة الدين المحمّدي على ظاهر الحلّيّة والطهارة ، فالسؤال والفحص عن كلّ فرد فرد بأنه حلال أو حرام أو طاهر أو نجس تضييق لها ورفع لسهولتها التي قد منّ الشارع بها على عباده.
ومعلوم أن حصول الضيق حينئذ إنّما يتمّ بقبول قول المالك بالنجاسة والحرمة.
وممّا يدلّ على المنع من السؤال بعض الأخبار الواردة في الجبن ، حيث إنه عليهالسلام
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦٨ / ٥٢٩ ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٩١ ، أبواب النجاسات ، ب ٥ ، ح ٣.