حاله ، ويرجع ذلك بالآخرة إلى الجاهل بمعنييه المتقدّمين في وذلك ؛ فإن المعلوم أن سكّان الصحارى والرساتيق ليسوا في الانس بالأحكام والشرائع كسكّان المدن والأمصار المشتملة على العلماء والوعّاظ ، والجمعات والجماعات ، والمدارس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحو ذلك ؛ ولهذا نهى الشارع عن سكنى تلك ، وندب إلى سكنى هذه ؛ لأنه بمجرد ذلك يحصل التأدّب (١) بالآداب الشرعيّة ، والتخلّق بالأخلاق المرضيّة ، والاطّلاع على الأحكام النبوية ، بمداخلة أبناء النوع ومعاشرتهم ، بل مشاهدتهم ورؤيتهم كما لا يخفى على من تأمّل ذلك. وحينئذ فالعامي من سكّان الصحارى ، مثلا إذا أخذ العبادة من آبائه وتلقاها من أسلافه على أيّ وجه كان ، معتقدا أنها هي العبادة المأمور بها من الشارع ، ولم يعلم زيادة على ذلك ، فالظاهر صحّتها.
أمّا أوّلا ، فلأنه جاهل بما سوى ذلك جهلا ساذجا ، وتوجه الخطاب إلى مثله ـ كما قدّمناه ـ ممتنع عقلا ونقلا.
وأمّا ثانيا ، فلأنه قد ورد في الأخبار بالنسبة إلى جاهلي (٢) الإمامة من المخالفين بأنهم ممّن يرجى لهم الفوز بالنجاة في الآخرة ، فإذا كان ذلك حال المخالفين بالنسبة إلى الإمامة التي هي من اصول الدين ، فكيف بعوامّ مذهبنا في الفروع؟ وكذا القول بالنسبة إلى قوّة العقل والفهم وعدمهما ؛ فإنّ خطاب كاملي العقول وثاقبي الأذهان ، غير خطاب ناقصيهما ؛ فقد (٣) ورد عنهم عليهمالسلام : «إنّما يداقّ الله (٤) العباد على ما وهبهم من العقول» (٥).
__________________
(١) في «ح» : التأديب.
(٢) في «ح» : جاهل.
(٣) في «ح» : وقد.
(٤) في «ح» بعدها : على.
(٥) الكافي ١ : ١١ / ٧ ، وفيه : «على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا».