أم أنّه صلىاللهعليهوآله أراد بذلك أموراً أخرى تعبّر عن إرادة السماء؟
ثمّ مَن هم أقرباؤه المعنيّون في هذه الآية؟
المعلوم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أوجب مودّة قرباه لا لتعظيم الجانب القبلي والعشائري ، إذ الثابت عن رسالة السماء أنّها تخالف هذه النزعة الجاهلية الضيّقة ؛ حيث ذمّ الباري عمَّ النبيّ وزوجة عمّه في سورة نزلت في عمّ رسول الله ، أبي لهب ، دون اعتبار لنسبه منه صلىاللهعليهوآله : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَد).
إذاً لا يكون المعنيُّ بالقربى عشيرته وأقرباءَه بما هم أقرباؤه وعشيرته ، بل المعنيّ بذلك فئة خاصة منهم ، لهم سمات وخصائص تجعلهم أمناء على دين الله وواسطة للفيض الإلهي ، وهؤلاء هم الصادقون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وقد نوّهنا بطرف من منزلتهم فيما مضى.
إذ لا يعقل أن يأمر اللهُ ورسولُه المؤمنين بالتودّد إلى مَن ليس بأهل للمودّة ، وإلى من هو منحرف عن الجادة ـ والعياذ بالله ـ بل إنّ أمره بالتودد إليهم يشير إلى أنّ لهؤلاء القربى خصائص يتميّزون بها ليست للآخر ين ، كالعلم والفضل والتقوى والصبر و ... وهذه المقوّمات هي التي جعلت من هؤلاء قدوة ، وقد عرّفهم سبحانه في آية التطهير وحصرهم بمن تحت الكساء وهم بعد النبيّ محمَّد صلىاللهعليهوآله : عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
من يعرف الدين الإسلامي يعلم بأنّ الإسلام يهتم بالقيم والمثل لا العلائق والاتجاهات القبلية والعشائرية ، فقد جعل رسولُ الله سلمانَ الفارسي من أهل بيته لما امتلكه من مؤهّلات وخصائص ذاتية ومعنوية مع عدم امتلاكه أي علائق مع النبيّ صلىاللهعليهوآله من الوجهة القبلية والإقليمية.